المقاومة التخيلية في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


تشير ظاهرة المقاومة التخيلية في علم النفس إلى الصعوبات النفسية التي يواجهها الأشخاص الأكفاء في التخيُّل، وذلك عند الانخراط في أنشطة تخيلية معينة تحفزها الأعمال الخيالية، حيث جاء نقاش المقاومة التخيّلية كمحاولة لفكّ ما يجري في الحالات الخاصة والمُحيّرة عند التفكير.

المقاومة التخيلية في علم النفس

أطلق العالم ريتشارد موران تسمية المقاومة التخيلية على الظاهرة لأول مرة في عام 1994 في ما قدمه من خلال التعبير عن الشعور بالخيال، من خلال التعبير عن الأخلاق في الخيال والأخلاق الخيالية، وهو الذي أشعل الاهتمام بالمقاومة التخيلية في علم النفس في الظواهر النفسية والمعرفية في ذلك الوقت.

ونشأت المقاومة التخيلية من حديث موران في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للجماليات لعام 1992، ثم بعنوان الفن والخيال والمقاومة والتعليق المهم على حديث موران، حيث أن الهدف الرئيسي لموران في التعبير عن الشعور بالخيال هو انتقاد أفكار غيره عن المشاعر الخيالية، وبشكل أكثر تحديدًا ما يراه موران على أنه انقطاع في الحساب بين استخدامات الخيال في ارتباطاتنا في الحياة الواقعية وفي ارتباطاتنا بالأعمال الخيالية.

من خلال القيام بذلك يناقش موران ظاهرة خاصة يسميها المقاومة التخيلية التي يعتقد أنها تساعده على تشويه تفسير غيره بالشعور والتفكير الخيالي، ومنها يذكر نفسه بهذه الظاهرة من خلال المحاكاة كصورة خيالية ويصفها بأنها إحجام نفسي غريب عن السماح للعوالم الخيالية بالاختلاف عن العالم الواقعي في جوانب أخلاقية معينة.

يشير موران إلى العالم ديفيد هيوم باعتباره الفيلسوف الأول الذي قام بتشخيص ظاهرة المقاومة التخيلية في علم النفس، وتحدث عن جميع ملاحظات هيوم حول المقاومة التخيلية في فقرات قليلة في نهاية مقالته من مستوى الذوق، وهناك يقول هيوم أنه على الرغم من أن الأمر يتطلب بعض الجهد، فلا يزال بإمكاننا التعامل مع الأعمال الفنية التي تصوّر الاختلافات أو الانحرافات عما اعتدنا عليه.

ومع ذلك فإن ديفيد هيوم هو الذي يدّعي أن هناك تناقضًا صارخًا بين سهولة تعاملنا مع مثل هذه الأعمال وبين الأعمال التي تصور الانحرافات الأخلاقية دون الاستحسان واللوم المناسبين، حيث تتغير أفكار الأخلاق واللياقة من عصر إلى آخر، وحيث يتم وصف الأخلاق الشريرة، دون تمييز الشخصيات المناسبة من اللوم والاستنكار، ويجب السماح لهذا بتشويه الظاهرة، وأن يكون تشوهًا حقيقيًا.

ولا تقتصر وجهة نظر هيوم على أننا نقاوم الانخراط في الأعمال التي تصوّر محتوى أخلاقيًا معينًا لا نوافق عليه، وبدلاً من ذلك فإن عدم إلقاء اللوم أو الاستنكار من جانب المؤلف هو ما نجده مزعجًا ويتطلب جهدًا عنيفًا للغاية من جانب الجمهور.

نقد المقاومة التخيلية في علم النفس

تمّ انتقاد استخدام كلمة مقاومة في المقاومة التخيلية في علم النفس؛ بسبب تفضيله لأحد التفسيرات المنافسة للمقاومة الخيالية على التفسيرات الأخرى، حيث تمّ تقديم تفسيرات متنافسة رئيسية للمقاومة التخيلية حتى الآن، ومنها ينكر أنصار الإقصاء وجود هذه الظاهرة خارج المقالات القصيرة التي وضعها الفلاسفة بعناية.

في حين أن باقي الجهات مع قبولها بوجود ظاهرة المقاومة في المقاومة التخيلية في علم النفس تُقدم تفسيرات متضاربة لها، ومنها يدّعي علماء النفس أن المقاومة التخيلية تحدث عندما لا نستطيع الانخراط في النشاط التخيلي المطلوب، وعلى النقيض من ذلك يأخذ علماء النفس هذه الظاهرة على أنها تنطوي على عدم الرغبة بدلاً من عدم القدرة على الانخراط من جانب القارئ أو الجمهور.

وكان الإقصائيين من علماء النفس ينتقدون استخدام كلمة مقاومة؛ لأن المصطلح نفسه يبدو أنه يميز التفسير الموجه، على الرغم من أن بعض علماء النفس يختارون استخدام الفشل الخيالي بدلاً من المقاومة التخيلية فإن مصطلح الاستبدال لم يتوقف بعد كل شيء، مع الاعتراف بأن المقاومة التخيلية مصطلح شامل للظاهرة التي يفضل البعض شرحها ليس من حيث المقاومة ولكن من حيث عدم القدرة.

مصادر المقاومة التخيلية في علم النفس

تتمثل مصادر المقاومة التخيلية في علم النفس من خلال نظريات انتهاك التبعية، حيث تظهر الصياغة الأولى للموقف التخيلي، وهو يدّعي أن السبب الذي يجعل المخيِّلين يواجهون صعوبات في الانخراط في عمل روائي على سبيل المثال الذي يتضمن الافتراض هو أنهم لا يستطيعون السماح للعالم الخيالي بالاختلاف أخلاقياً عن العالم الحقيقي.

إن أفضل شكوك حول سبب مقاومتنا للسماح للعوالم الخيالية بالاختلاف عن العالم الحقيقي عندما نفعل، هو أن الأمر يتعلق بعدم القدرة على تخيل أن العلاقات هي عبارة عن أنواع معينة من التبعية، والتي تختلف عما نعتقد أنه موجود، وربما عدم القدرة على الفهم الكامل لما سيكون عليه الأمر بالنسبة لهم ليكونوا مختلفين.

وبالنسبة إلى علماء النفس الأخلاقيين فإن المبادئ أو الخصائص الأخلاقية تعتمد أو تُشرف على الخصائص أو الحقائق الطبيعية في المصادر الخاصة بالمقاومة التخيلية، حيث يعتمد الخطأ الأخلاقي على أفعال معينة ويتم الحصول على علاقات التبعية في جميع العوالم في العالم الفعلي وكذلك في أي عالم خيالي، ولا يمكننا تخيل انتهاك علاقات التبعية هذه حتى من أجل القصة فقط.

وتفسير علماء النفس الأخلاقيين لسبب عدم القدرة من حيث انتهاك علاقة التبعية قد ألهم حسابات أخرى، يدعو البعض بأن اقتراحًا محدد يطلق عليه مقاومة خيالية؛ لأن المفهوم الذي يُعبّر عنه هو التذمر مثلاً أو تمكين الاستجابة، حيث يعرّف مفهوم مصدر المقاومة التخيلية بأنه مفهوم يحدد موضوعه جزئيًا من خلال جوانب تجربتنا فيه والتي لا تدّعي أنها تمثيلية.

ويعتمد امتدادها في سياق معين على كيفية تفاعلنا معها، وليس كيف يتم تمثيلنا على أننا نتفاعل أو يجب أن نتفاعل في العالم الخيالي، وهذا هو السبب في تمديد مصطلح أخلاقي الصحيح في سياق لا يعتمد به مصدر المقاومة التخيلية على ما يقوله المؤلف، ولكن على كيفية تأثيره علينا، وفي هذه الحالة يبدو لنا امتداده إلى أن بعض المواقف أو العمليات هي كاذبة وليست صحيحة من الناحية التخيلية.

لا يمكننا قبول حقيقة أن مصادر المقاومة التخيلية قد تكون الشيء الصحيح؛ لأنه لا توجد حقائق منخفضة المستوى يحددها الراوي أو نستوردها من عالمنا لدعمها، وينطبق الشيء نفسه أيضًا على العمليات المعرفية التي تتعلق بالمقاومة التفكيرية أو التخيلية، ومنها ينشأ اللغز الخيالي فقط عندما يكون هناك انتهاك للفضيلة الأخلاقية، واتباع مصادر لا قبول لها من علم النفس الأخلاقي.

وعدم القدرة من جانب المخيِّلين يؤخذ على أن ينتج عن نوع من عدم التطابق أو الصراع المعرفي كمصدر ثاني للمقاومة التخيلية، حيث يُقدم علماء النفس حلاً لفرضية المقاومة التخيلية على أساس نموذج تخيلي مستنير تجريبيًا تمّ تطويره على أساس العالم شاون نيكولز وعمل ستيفن ستيتش عن الخيال.

وفي هذا النموذج تنشأ المقاومة التخيلية من الصراع بين الأنظمة المعرفية المختلفة كعناصر من بنيتنا المعرفية، ويُحدّد صندوق الاعتقاد لذي يحتوي على معتقدات المرء الحالية، وصندوق الخيال الذي يحتوي على تخيلات المرء الحالية، ويتم تأمين الاتساق بينها بواسطة آلية تسمى المُحدّث والذي يقوم بتحديث معتقدات المرء في مواجهة المعلومات الجديدة.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف، 2015.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم، 1995.علم النفس العام، هاني يحيى نصري، 2005.علم النفس، محمد حسن غانم، 2004.


شارك المقالة: