السبب الرئيسي للاكتئاب

اقرأ في هذا المقال


يتّعلق مصطلح الاكتئاب بالحُزن، فالحزن مفهوم واضح وجميع الأشخاص قد شعروا به، فيشعرون بالحزن عند الفشل أو فقدان الأحبّة أو الضغط، لكنْ الشيء الذي يميّز الاكتئاب والحزن، أنّ الاكتئاب شعور بالحزن طويل الأمد، حيث يمتدّ هذا الشعور على مدار الساعة، فيظهر بصورة أشدّ من الحزن، فيضطرب الفرد وتختلط مشاعر الحزن مع خيبة الأمل والأسى، وفي تلك اللحظات يصبح العمل البسيط شيء لا يطاق، لعلّ أبرز نقطة في تشخيص الاكتئاب هو أنّ هذه الحالة تعيق الفرد بدرجة جوهرية عن أداء أنشطته وواجباته.

الأسباب الرئيسية للاكتئاب

العامل الوراثي 

حاول العلماء التعرف على السبب الأساسي وراء مرض الاكتئاب، من خلال الأبحاث التي تمّ إجراؤها على الأسر، فتم الملاحظة عند دراسة الأسر التي تتميز بوجود حالات عديدة لمرضى الاكتئاب، أنّ عدد الأفراد المصابين بالاكتئاب في أسرة المريض تزيد بمقدار ثلاثة أضعاف عن الأسر العادية، هذا يؤكد العامل الوراثي في مرض الاكتئاب، كما يوجد دراسات تمّ إجراؤها على التوائم الذين يعيشون معاً أو ينفصل أحدهم ليعيش في مكان بعيد عن الآخر، تبين أنّ الاستعداد الوراثي للاكتئاب يوجد لدى التوائم، بغض النظر عن الظروف التي تحيط بهم، ممّا يؤكد وجود العامل الوراثي.

العوامل البيولوجية

البحث العلمي يشير إلى أن العوامل البيولوجية تلعب دورًا محوريًا في الاكتئاب. التغيرات في كيمياء الدماغ تعد من أبرز الأسباب المحتملة. الناقلات العصبية، مثل السيروتونين والدوبامين، هي مواد كيميائية في الدماغ تنقل الإشارات بين الخلايا العصبية. في حالة الاكتئاب، قد يحدث اختلال في توازن هذه الناقلات العصبية، مما يؤثر سلبًا على المزاج والسلوك.

كذلك، العوامل الوراثية لها دور كبير في تطور الاكتئاب. إذا كان هناك تاريخ عائلي للاكتئاب أو اضطرابات نفسية أخرى، فإن فرصة الإصابة بالاكتئاب تزداد. الجينات قد تؤثر على كيفية تفاعل الدماغ مع الضغوطات وتحديد مدى قابلية الشخص للإصابة بالاكتئاب.

العوامل النفسية

التجارب النفسية، مثل التوتر العاطفي والأحداث الصادمة، هي عوامل قوية تؤدي إلى الاكتئاب. تعرض الشخص لفقدان شخص عزيز، الانفصال أو الطلاق، البطالة، أو حتى التنمر، يمكن أن تكون محفزات قوية لتطور الاكتئاب. هؤلاء الأفراد قد يكونون أكثر عرضة لتطوير الاكتئاب بسبب قدرتهم المحدودة على التعامل مع التحديات النفسية.

التفكير السلبي هو عامل نفسي آخر يرتبط بالاكتئاب. الأشخاص الذين لديهم أنماط تفكير متشائمة، والذين يركزون على النقد الذاتي واللوم، هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. هذه الأنماط قد تكون متأصلة في الطفولة أو تطورت نتيجة تجارب حياتية.

3. العوامل البيئية والاجتماعية

البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد قد تكون من بين الأسباب الرئيسية للاكتئاب. الفقر، البطالة، الشعور بالعزلة الاجتماعية، وانعدام الدعم العاطفي من الأسرة أو الأصدقاء، كلها عوامل تزيد من مخاطر الإصابة بالاكتئاب. العزلة، بشكل خاص، تعد من المحفزات القوية لتفاقم الاكتئاب، حيث يشعر الشخص أنه غير مفهوم أو غير مدعوم.

التعرض لضغوط الحياة المزمنة، مثل الصراعات الأسرية أو الضغط المالي، يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة النفسية، خاصة إذا كان الشخص يفتقر إلى مهارات التأقلم الصحيحة.

العوامل الهرمونية

التغيرات الهرمونية قد تؤدي أيضًا إلى الاكتئاب. النساء، على سبيل المثال، أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب التغيرات الهرمونية التي تحدث خلال الدورة الشهرية، الحمل، الولادة، أو انقطاع الطمث. هذه التغيرات قد تؤثر على توازن الناقلات العصبية في الدماغ وتزيد من خطر الاكتئاب.

اضطرابات الغدة الدرقية هي سبب آخر محتمل للاكتئاب، حيث يؤدي نقص أو زيادة إفراز الهرمونات إلى تغيرات في المزاج والرفاه النفسي.

الأسباب التطورية

يعتقد بعض العلماء أن الاكتئاب قد يكون له أصول تطورية. النظرية التطورية تشير إلى أن الاكتئاب قد يكون استجابة تكيفية للتقليل من استهلاك الطاقة أثناء فترات التوتر أو الفشل، حيث ينسحب الشخص إلى حالة من الحزن العميق والانطواء لحماية نفسه من المزيد من الأذى. ومع ذلك، في عالمنا الحديث، حيث الضغوطات النفسية والاجتماعية متزايدة، قد يكون هذا النمط من الاستجابة غير مناسب، مما يؤدي إلى ظهور الاكتئاب كمشكلة مزمنة.

الأمراض المزمنة والألم الجسدي

الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أو آلام جسدية مستمرة، مثل مرض السرطان أو التهاب المفاصل، قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. الألم المستمر والتحديات اليومية المرتبطة بالعيش مع مرض مزمن تؤثر على جودة الحياة وتجعل الشخص أكثر عرضة للتفكير السلبي والشعور باليأس.

الاكتئاب هو نتيجة لتفاعل معقد بين عدة عوامل بيولوجية، نفسية، واجتماعية. لا يوجد سبب واحد يمكن أن يفسر حدوث الاكتئاب لدى الجميع، ولكنه غالبًا ما يكون نتيجة لتأثيرات متعددة مجتمعة. قد يكون الاكتئاب استجابة لعوامل وراثية أو بيولوجية، أو قد ينشأ نتيجة للضغوطات الحياتية أو التجارب النفسية الصعبة.

فهم الأسباب المختلفة للاكتئاب يعد خطوة أساسية في معالجة هذا الاضطراب. العلاج النفسي، الأدوية، ودعم الأسرة والأصدقاء يمكن أن يكون لها دور كبير في مساعدة الأفراد المصابين بالاكتئاب على التعافي واستعادة حياتهم. من خلال تقديم الرعاية والدعم المناسبين، يمكن للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أن يتغلبوا على هذه الحالة ويعيشوا حياة أكثر توازنًا وصحة.


شارك المقالة: