عادات العقل والسلوكيات الذكية

اقرأ في هذا المقال


الشيء الأول الذي يحدد نجاحنا كأفراد هو كيفية تكوين عادات ذكية وعادات ذكية للأثرياء فنحن ما نقوم به مرارًا وتكرارًا، فالتميز إذن ليس فعلًا أو سلوكًا بل عادة وهذا ما أوضحه وأكد عليه أرسطو، فالعادات العقلية يشار إليها عادةً باسم سلوكيات ذكية كما ذكرها أيًَا مارزانو (Marzano) وذلك بشكلها البسيط، ولكن تحدث دون أن يفكر المرء بوعي عندما يقوم بها حيث إنّه يعود تلقائيًا إلى إجراء معين بناءً على العادات التي طورها بمرور الوقت، فالعادة هي شيء يفعله بانتظام وتلقائيًا دون التفكير فيه.

تعريف السلوك الذكي

يقصد بالسلوك الذكي (Smart behavior) بأنّه السلوك الإيجابي الصحيح للتلاميذ وهذا السلوك يمثل نوعًا من أنواع الذكاءات المتعددة، وهو يتضمن تنظيم القدرات والعادات والمهارات والكيفيات العقلية والوجدانية والاجتماعية التي تمكّن الفرد من الانتباه والإدراك الجيد للانفعالات وفهم المعلومات ومعالجتها واستخدامها بطريقة جيدة، وكذلك تجعله في حالة من التفاؤل وتمكنه من القدرة على التعامل مع متطلبات البيئة والضغوط والتقليل من العنف السلوكي.

وقد أكد ستيرنبريج أنّ السلوك الذكي يعد من أهم مكونات مهارات التفكير ما وراء المعرفية، حيث أنّه عملية ذهنية ذات تعقيد عالي تتطور من أحد الجوانب مع مرور الزمن والتقدم في العمر ومن الجانب الآخر تأتي هذه السلوكات كنتاج لخبرة الفرد الطويلة وذات التنوع الكبير، والتي تعمل على التحكم في كل النشاطات التي تتجه نحو حل المشكلات العديدة وذلك باستخدام المهارات المعرفية ضمن فاعلية عالية حتى يتم مواجهة ما تتطلبه عملية التفكير، كما يجب أن تكون الأهداف السلوكية ذكية ضمن شروط معينة أي ضمن إطار محدد ويمكن قياس الهدف وكذلك تحقيقة وله علاقة بالزمن كما يلي:

1- هدف محدد: يحدد المرء بوضوح من أو ما هو محور برنامج تواصل التغيير السلوكي والاجتماعي وما هو التغيير المتوقع.

2- هدف قابل للقياس: يشمل مقدار أو نسبة التغيير المتوقع.

3- هدف قابل للتحقيق: تغيير يستطيع الفرد القيام به في ضوء احتياجاته وتفضيلاته فضلاً عن المعايير والتوقعات الاجتماعية.

4- هدف ذو صلة: مهم لمؤسسة الفرد ومواردها وما تحاول تحقيقه (هدف البرنامج).

5- هدف محدد بوقت: حيث يحدد الفترة الزمنية لتحقيق التغييرات السلوكية.

استخدام مهارات التفكير لتشكيل العادات العقلية

السلوكيات الذكية هي مهارات حياتية يمكن أن تساعد المتعلمين ليس فقط في المدرسة ولكن في جميع مجالات حياتهم، والاستعدادات العقلية المنتجة التي أوجزها مارزانو وأخرون هي أنّه كيف يمكننا أن نساعد الطلبة في اكتساب هذه العادات؟ وتوضيح ما هي هذه السلوكيات وبأنّها تحسن التعلم وتعزز الطلبة المنخفضين في تحصيلهم الدراسي التي قد لا يدركون بأنّ موقفهم وعاداتهم العقلية وإطار عقلهم يؤثر على تعلمهم أو أنّهم يمتلكون القدرة على تنظيم ذاتهم ومشاعرهم والمواقف والسلوكيات.

ومع أنّ الفرد قد يمتلك مهارات التفكير المختلفة والقدرات اللازمة لها إلّا أنّ عليه الإفادة من الفرص العديدة لتطبيقها من وقت لآخر، وأنّ تكون لديه الرغبة الحقيقية لاستخدام الاستراتيجيات المختلفة لتنفيذ هذه المهارات حسب الظروف والمواقف التعليمية المناسبة لكي تتشكل العادات العقلية وهذا ما أكد عليه تشمان.

ولنرجع قليلاً إلى بداية النظر للسلوكيات الذكية منذ بدايتها حيث اعتقد تشارلز دارون أنّ السلوكيات الذكية تتطور مع الغرائز البدائية للسلوك البشري والتي قد تتشابه مع سلوكيات بعض الحيوانات الذكية، أي إنّ الفرق بين الذكاء البشري والذكاء الحيواني هو مسألة درجة وليس نوع، وذكر موضحًا في أنّ القوى العقلية لا يوجد فروق جوهرية بين البشر والثدييات العليا مثل القردة، ويدعم دارون ما جاء به من تفسيرات هذا بمثال عن سمكة التي تريد الخروج من مكانها المحيط بلوح من الخشب إلى الأسماك الأخرى، واستمرت عملية اصطدامها بهذا اللوح ثلاثة أشهر لتعلم أنّه لا يمكن اختراقها، في حين أنّ القرد قد يتعلم ذلك بعد محاولة واحدة فقط.

يبدو أنّ الحقيقة هي أنّ كل المخلوقات يشتركون بالقدرة على التعلم من التجربة، وأنّها تمر على جيناتهم وتبقى الجينات الذكية تتطور تدريجياً من الذكاء العام لكل المخلوقات، وتمسك دارون بأنّ العقل البشري تكون حالته بنفس الطريقة عند التحدث عن قدراتنا الأخلاقية والفكرية، وأنّ الدرجة العالية من الذكاء هي متوافقة مع الغرائز المعقدة على الرغم من أنّ الأفعال يتم تعلمها طوعية في البداية، ويمكن أن تؤدى من خلال العادة العقلية بسرعة ودقة عالية، وعندما تصبح القوى الفكرية على درجة عالية من التطور يجب أن تصل إلى الأنحاء المختلفة من الدماغ عن طريق قنوات معقدة من الموصلات الأكثر حرية.

الفرق بين العادات العقلية والسلوكيات الذكية

أنّ العلاقة بين الوسيلة والهدف هي التي تميز التصرفات الذكية وهكذا تصبح العادة عبارة عن تنظيم ذكي، وقد فسر هيلمهولتز الإدراك الحسي من خلال تدخل التحليل الواعي، وأدى المذهب الحيوي الخلاق إلى جعل العادة ناتجة عن ذكاء عضوي لا واعي، وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك عوامل اجتماعية تدخل فيما نسميه السلوك الذكي أو التصرف الحسن، فمثلاً القدرة على استعمال الرموز كاللغة والأعداد واستعمال المعنى كالمادة والمكان والقانون والحق والواجب مثل هذه العوامل تؤثر في سلوك الفرد الذكي، أي إنّها تؤثر في قدرة الفرد على معالجة المشاكل التي تواجهه بنجاح.

في حين ترى لوري أنّ العادات العقلية لا تعني امتلاك المعلومات فقط بل هي أسلوب من السلوكيات الذكية التي تقوم بقيادة المتعلم إلى إنتاج المعرفة بطرق أخرى وليس تذكرها أو إعادة إنتاجها، وأوضح لوكاس أنّه حين ما يكون تصرف وفعل الفرد يتميز بالذكاء فأنّه يكون بذلك ذو مهارة عالية في استعمال العقل وبطرق مختلفة كثيراً، وعندما يعمل العقل بصورة جيدة، يكون الفرد قادر على القيام بالكثير من الأشياء التي يعتقد إنّه غير قادر على القيام بها حيث تلعب التنشئة دورًا مؤثرًا في ذلك.

وفي هذا السياق فأنّ أرثر كوستا وبينا كاليك اللذان أقاما نظرية عادات العقلية، بحيث قاما بالاعتماد في تأسيس نظريتهما على عمليات البحوث ونتائج هذه البحوث التي قام بها كل من العلماء: فيورشتاین (Feuerstein) وستيرنبرغ (Sternberg) وبيركنز (Perkins) وجولمان (Golman) والتي عملت على بحث شامل للغاية عن ميزات الأشخاص الأذكياء ذو البراعة في أدائهم في جميع جوانب الحياة من: مدرسون وعلماء وفنانين ورجال أعمال ورياضيون، وقد تركز عمل كل من كوستا وكاليك على غاية رئيسية وهي الإجابة على الاستفسارين التاليين وهما:

1- ماذا يعمل الأشخاص حين ما يقومون بتصرفات ذكية؟

2- ما هي التصرفات الذكية التي تشير إلى مفكر ذو كفاءة عالية؟

كما يوضح ستيرنبرج أنّ للسلوك الذكي له ميزتان وهما: الاستبصار ويقصد بها قدرة الفرد على التصرف ضمن فعالية عالية مع الأوضاع الجديدة، كما أنّها تعد قدرة فرد على أن يكون الفرد ذو فعالية ومرونة في كل من التفكير وحل المشكلات، في حين تذكر الأعسر في عام ۱۹۹۸ أنّ من أهم مقومات السلوك الذكي هي أن يكون لدى الفرد الثقة بالنفس والقدرة على حل المشكلات، وكذلك عقل متفتح يبحث يستطيع الاستماع لأفكار الآخرين ومشاعرهم.


شارك المقالة: