تتطلب عملية الوصول إلى التعلم بفعالية والحصول على معلومات ومعرفة جيدة ومنظمة من طالب العلم لجهد وتركيز عقلي كبير، والذي غالبًا ما يكون عن طريق الاستذكار الذي يعد عادة روتينية يستخدمها العديد من الطلاب، وفي نفس السياق اقترح كوتريل مجموعة من العوامل التي تجعل عملية التعلم سهلة وذو فائدة أكبر والتي تحتوي في مجموعها مهارات الاستذكار ومن هذه العوامل: تكوين معلومات منظمة وأن يكون التعلم في حالة فيزيائية تؤهل المتعلم لعملية التعلم واستخدام كل امكانيات الفرد العقلية، واعتقاد الفرد في إمكانية التعلم وأن يستخدم الفرد استراتيجيات التعلم وأن يحب ويستمتع بما يتعلمه وأن يعمل مع الآخرين بفعالية وتكوين بيئة مناسبة للتعلم.
عادات العقل والشخصية
للعادات العقلية دور في تكوين وصقل شخصية الأفراد حيث متى ما تكونت عادات الفرد العقلية والعاطفية والحركية فإنّ شخصيته ستأخذ طابع خاص يميزه عن غيره، وهذا من الممكن أن يجعل الآخرين في بعض
الأحيان من التنبؤ بسلوك الفرد الذي يأخذ طابع وشخصية معينة، حيث أنّه في بعض الأحيان يتم الحكم على سلوك الآخرين من خلال المعرفة بعاداتهم لفعل الأشياء ويتم القول أنّ هذا الفعل لا يمكن أن يصدر عن شخص ما لأنّه معروف بطابع غير ذلك وطريقة تفكيره واتجاه وجدانه وأسلوب حركاته معروف وكل ذلك ينحصر في مفهوم عادات الشخص.
يبدو أنّ هذا الأمر قد ساعد ميادين مهنية في تحقيق أهدافها وعملها من مثل رجال التحقيق الجنائي من التعرف على شخصيات المجرمين، وذلك لأنّ لكل من المجرمين في ارتكابهم لجرائمهم يكون لديهم نهج وأسلوب متميز وخاص حيث يتبعه بشكل شبه دائم ولا يقوم على تغييره، فالعادات العقلية عند جميع البشر في مجموعها تكوّن في شخصية المرء أسلوبًا ونهجًا ونمطًا، كما أنّ تشكيل الشخصية وتبلورها يأتي من العلاقة التفاعلية والاشتراكية والاندماجية لهذه العادات والتي تؤثر إمّا سلبًا أم إيجابًا في دعم الشخصية المرء، أي أن يكون هناك شيء اسمه الشخصية على الإطلاق.
دور العادات للتفريق بين الشخصية القوية والضعيفة
كما أنّه لو أنّ كل عادة عند الفرد اتخذت لها مكاناً منعزلًا تعيش فيه وتمارس عملها في حدودها دون أن تتصل مع عادة أخرى فيفقد السلوك وحدته ويصبح مجرد تراكم للاستجابات غير مرتبطة لمواقف متفرقة، وهنا نستطيع القول أنّ امتزاج العادات وتداخلها هو الذي يفرق بين الشخصيات القوية والشخصيات الضعيفة، ويعود ذلك بسبب أنّ العادة لا تتثبت وتقوى إلّا إذا تشربت وتفاعلت مع العادات الأخرى وكانت متأثره بها، فلا يمكن للعادة أن تكون قوية وصلبة بسبب جهدها الذاتي، وهاتين السمتين من القوة والصلابة تعدان من السمات الملازمة للأشخاص ذوي الشخصية القوية، في حين انّ الشخصية الضعيفة التي لا تقوى على بذل المزيد من المجهود.
وبالتالي يؤدي ذلك إلى انقسام العقل إلى أماكن متعددة وذات عزلة وتأتي الحواجز لتصبح بين أنظمة الرغبات المختلفة، ونتيجة لذلك تتعدد وسائل الحكم بتعدد تلك الأماكن والأنظمة فينتج عنه نوع من التوتر العاطفي الذي لا يمكن للأفراد ذوي الشخصية الضعيفة التحكم فيه والقضاء عليه حتى أنّهم لا يمكنهم تحمل ذلك، لأنّه لا يمكنهم على الإعادة التكيفية فيما بين العادات العديدة المنفصلة وبالتالي تبقى كما هي على حالها، وبناءًا عليه يتم استنتاج المفهوم الديناميكي للعادات بأنّه ارتباط العادات بعضها ببعض في جانب وظيفي فعال تجمعه وحدة السلوك ووحدة الإرادة ووحدة الدافع والعمل، فالإرادة هي عاداتنا الفعالة وهي القوى التي نستطيع السيطرة عليها، وإنّ تغير العادات بعضها للبعض الآخر يمكننا من تحديد طبيعة الموقف الأخلاقي.
كما أنّه ليس من الواجب ولا من الأمور المستحبة أن يفكر الفرد بصورة دائمة في هذا التفاعل الدائم والمتواصل بين العديد من العادات، أي أنّه يتشتت انتباه الفرد ويبقيه بعيدًا عن تشكيل عادة إيجابية فعالة فيما لو بقي تفكير هذا الفرد في أثر عادة محددة على شخصيته والتي تعد عنوان للتفاعل بالمجمل بين العادات، فعند ممارسة الشخص هوايته في لعب الشطرنج كعادة وهو في نفس الوقت يتعلم إحدى اللغات وكذلك يمارس الهندسة بحيث يكون مشغولًا بهذه العادات.
هذا الشخص يتشابه إلى حدٍ كبير مع إحدى الحشرات التي تسمى حشرة الحريش والتي لديها أربع وأربعون رجلًا، فعند محاولتها الانتباه والتفكير في حركة كل رجل تملكها على حده وطريقة مسيرتها بالنسبة للأرجل الأخرى فأنّها بالتأكيد ستصبح غير قادرة على المسير والمضي قدمًا، ولذلك يتحتم علينا في بعض الأحيان أن نترك عادات معينة على ماهي عليه كشيء طبيعي، والعمل الذي يقوم به هذا النوع من العادات لا يدخل في ميدان الحكم الأخلاقي وإنما ننظر إلى هذه العادات على أنّها فنية وترويحية ومهنية وصحية واقتصادية وجمالية.
عادات العقل والاستذكار
نتيجة اجتياح ثورة المعلومات والتوسع المعرفي في العالم في بداية القرن العشرين لم يعد هناك مكان للتقدير والتثمين في ميادين النجاح والتطور، بل بدلًا من ذلك كان لا بد من إعطاء الأداة السليمة والصحيحة لكل من الطالب ابن اليوم ورجل الغد ألا وهي المعرفة الصحيحة، حيث يتم العمل على تزويده ببنية معرفية محددة وقوية وذات تنظيم عالي كي تمكنه من الغمر والخوض في غمار المعرفة وثورتها وبشكل خاص ما تضمنته المعرفة من مجال التكنولوجيا وما أسفرت عنها من تضخم في المعرفة وتجددها باستمرار، ولأجل بناء جيلًا معرفيًا لا بد من عملية بناء عقول هذا الجيل بشكل صحيح وسليم، وأنّ يتم تمهيد الطريق بطرق وتكنيكات ذات تنظيم زمني وإداري جيد.
وبالتالي يتم تحديد الأهداف وطرق الوصول إليها حتى يتم تحقيق الهدف بمعلومات صحيحة وسليمة ضمن إطار زمني قصير ومسار قصير، وبناءًا على ما ذكر فأنّه يتم التمهيد لما يعرف بعادات الاستذكار التي تعتبر الطريق السليم المختصر الذي يعمل على تحقيق أهداف الطلاب ونقل الخبرة إلى حياتهم العملية اليومية وبالتالي تحقيق النجاح، وهناك العديد من الدراسات حول موضوع عادات الاستذكار وقد إتخذت عدة تعريفات ومسميات من مثل مهارات الاستذكار واستراتيجيات التفضيل المعرفي وغيرها الكثير تدور ضمن محاورها، وبشكل عام هناك ثلاثة مفاهيم تندرج ضمن أطر عادات الاستذكار وهي:
1- المهارة: هي نشاط يتطلب فترة من التدريب المقصود والممارسة المنظمة لبلوغ هدف معين أي أنّها طريقة مقصودة، وكذلك تعرف على أنّها سلوك مكتسب يجب أن يتوفر فيه شرطان وهما الأول: أن يكون موجه لتحقيق هدف معين، أمّا الشرط الثاني بأن يكون السلوك ذو سمة تنظيمية بحيث تكون نتيجته تحقيق الهدف بوقت وجهد أقل،كما أنّه من الواجب أن يكون هذا السلوك تحت بند السلوك الماهر.
2- العادة: هي صورة من صور النشاط الذي يكون خاضعًا في بداية الأمر لرغبة وإرادة وشعور الفرد بالتزامن مع تزفر الجودة والدقة في التعلم للنشاط اي العادة، بحيث يجعل من تكراره تلقائيًا فينتقل إلى صفة العادة، ومن الممكن أن يبقى هذا النشاط مستمر حتى لو انتهى وتم إتمام الهدف من النشاط الرئيسي.
3- الاستراتيجية: هي عبارة عن طرق لعملية الاختيار للوسائل المعرفة ذات الطابع الروتيني وكذلك جمعها وإعادة تصميمها.