علاقة عادات العقل بما وراء المعرفة والسلوك الذكي

اقرأ في هذا المقال


ترتبط عمليات ومهارات ما وراء المعرفة بالمرء نفسه إلّا أنّها من الممكن أن تكون مختلفة عند شخص آخر والتي تأتي بسبب تعرض المرء لمواقف تعليمية مختلفة، وهي تمثل قدرة الفرد على التعلم النشط القائم على النقد والتفسير بوعي، وكذلك قدرة الفرد على التحكم والضبط الذاتي لمتغيرات عملية التعلم وتوجيه العمليات العقلية توجيهًا منظمًا نحو أهداف محددة ثم الحكم على مدى صحة هذا التفكير، حيث يقصد بمصطلح ما وراء المعرفة بالمهارة التي يكتسبها المرء بحيث يسيطر فيها على عقله فيما يتعلق بنشاطات التفكير واستعمال القدرات المعرفية للمرء بفاعلية في معالجة المعلومات ومن ثم القدرة على حل المشكلات.

تطور مهارات ما وراء المعرفة إلى عادة سلوكية

تعد مهارات ما وراء المعرفة من أهم عناصر السلوك الذكي واللذان يرتبطان فيما بينهما بعلاقة طردية بالنسبة لعوامل العمر والخبرة، فكلما كان عمر المرء أكبر وخبرته أكثر تكون مهاراته ما وراء المعرفية أكثر، فالعناية والتركيز على استراتيجيات ما وراء المعرفة بالنسبة للطلاب يقصد بها قدرة الطالب على السيطرة على تفكيره وتأمله وزيادة مقدار الوعي لدى الطلبة إلى المستوى الذي يكونون فيه قادرون على توجيه أنفسهم أو تعديل أنفسهم للطريق السليم مما يمكنهم من التصرف مع المواقف التعليمية وبالتالي الوصول إلى الهدف، وهنا يأتي دور السلوكيات الذكية لتعزيز هذه القدرة من خلال البحث عن إجابات أخرى تمتاز بالذكاء أو إنتاج المعرفة بطرق أخرى.

يبدو أنّ هذا الذي يميز الطلبة المتميزين عن أقرانهم العاديين، حيث يستخدم الطلاب المتميزين عمليات تفكيرهم أثناء حل المشكلات فيتسألون حول المعطيات ومدى توفرها وكيفية التوصل إلى الحلول ودقة النتائج، بمعنى أنّ مهارات ما وراء المعرفة تعطي القدرة للطلاب ذو التميز العالي من  من تشغيل وتوظيف الوعي لديهم بامتلاكهم هذه المهارات التي يعرفونها للقيام بما يطلب منهم طبقًا للمواصفات والمعايير المستعملة بالمستوى الذي يقع ضمن دائرة وحلقة رضاهم، بحيث تصبح النتائج التي خططوا لها وتوقعوها، فالطلاب المتميزون يحرصون على المحافظة على ما يعرفونه ويفهمونه كما يسعون إلى استيضاح النقاط الأقل فهمًا للوعي ومن ثم يقيمون معرفتهم الذاتية بالمادة مما يقودهم إلى الأنشطة الملائمة (حيث التنظيم الذاتي لهذا الوعي).

لا بد إنّ مكونات ما وراء المعرفة أساسية بالنسبة للطلبة في حل مشكلاتهم التي تقوم على أساس فكرة تطبيق معلومات سبق تعلمها، والتي يتم استدعاؤها بوعي من الذاكرة ما وراء الذاكرة حيث يبدأ بفحص المعطيات واستنتاج العلاقات والربط بينها للتوصل إلى الأهداف من خلال وضع خطة للعمل وتنفيذ خطوات الحل بطريقة متتابعة ومنظمة منطقياً، وإذا تكرر فعل ذلك من قبل الطالب ستصبح لديه عادة عقلية يتم من خلالها ممارسة نفس السلوكيات الذكية في المواقف المشابهة، أي إنّ هذه السلوكيات الذكية (العادات العقلية) ستوفر للطلبة الوقت والجهد في تطبيق مهارات ما وراء المعرفة في المواقف اللاحقة.

استراتيجيات ما وراء المعرفة المكونة للعادة العقلية

تشمل استراتيجيات ما وراء المعرفة نوعين من الأنشطة هما:

1- معرفة البناء المعرفي للفرد.

2- تنظيم هذه المعرفة.

معرفة البناء المعرفي للفرد

يقصد بها تلك الخصائص المتعلقة بمعرفة الفرد بالمصادر المعرفية الذاتية (His own cognitive resources)، وقدرته على المواءمة بين إمكانياته الذاتية وبين متطلبات موقف التعلم أو المشكلة ولها ثلاث متغيرات هي:

1- متغيرات متعلقة بالفرد: وتشمل معرفة الفرد بخصائصه الذاتية واعتقاداته وثقته بالمستوى التعلمي للفرد وكذلك مستوى خبراته وقدراته ومدى ملائمة معلوماته وإمكانياته العقلية والانفعالية العامة وتنظيم الدافعية لديه.

2- متغيرات تتعلق بالمهمة: كأن يعتقد الفرد مثلاً أنّ حل المشكلات متعددة الحلول أو نمط التفكير التباعدي أصعب من حل المشكلات ذات التفكير التقاربي، أي إنّ الأنماط المختلفة من المهام تتطلب أنماط مختلفة من المعالجة.

3- متغيرات تتعلق بالاستراتيجية: وهذه تتطلب نوعين من الاستراتيجيات وهما: استراتيجيات معرفية والتي تمثل الإجراء الذي يستخدمه الفرد كي يتمكن من إلى وصول الى الهدف، وثانيًا استراتيجيات ما وراء المعرفية والمتمثلة في الإجراءات التي يقوم بها الفرد من خلال الاستثارة أو التوجيه الذاتي والاختيار والتقويم الذاتيين باستخدام التساؤلات الذاتية حول الحل.

تنظيم المعرفة

يشير مفهوم تنظيم المعرفة إلى الميكانزمات الذاتية لتنظيم المعرفة المستخدمة بشكل إيجابي نشط من خلال المحاولة في حل المشكلات، وأنشطة ما وراء المعرفة هنا تتمثل في عملية التخطيط وكذلك التوجيه والإثارة العقلية واختيار الفروض ذاتيًا ومن ثم المراجعة والتقويم، حيث أن ما وراء المعرفة تمثل تأملات عن المعرفة والتفكير فيما تفكر وكيف تفكر، ويرتبط هذا المفهوم بثلاث صفوف من السلوكيات العقلية وهي:

1- علم الفرد بما يملك من عمليات ومهارات فكرية شخصية وقدرته على أن يكون دقيقًا وقادر على وصف تفكيره، فتتضمن ما وراء المعرفة معرفة الفرد نفسه كمتعلم أي معرفة نقاط قوته وضعفه كمتعلم، على سبيل المثال إذا كان بإمكانه شرح نقاط قوته في الكتابة الأكاديمية أو إجراء الامتحانات أو أنواع أخرى من المهام الأكاديمية فهو على دراية بما وراء المعرفة، ويمكن تطبيق عمليات ما وراء المعرفية على التعلم والتفكير في جميع التخصصات والسياقات، كما إنّها مهارة أساسية للتعلم مدى الحياة وبالتالي يجب تدريس المهارات ما وراء المعرفية ومناقشتها مع الطلاب.

2- السيطرة والقدرة على التحكم الذاتي، والذي يقصد به قدرة الفرد على الاستمرار بأعماله التي يقوم به بدلًا من انشغاله بأعماله العقلية، من مثل حل مشكلة محددة ومراجعة مدى جودة استعماله لهذه الاستمرارية في توجيه عمله الذهني.

3- حدس الفرد الوجداني ومعتقداته والتي لها علاقة بتفكيره عن الحيز الذي يقوم بالتفكير فيه وقدرة المعتقدات في التأثير على طرق تفكير الفرد، فعلى سبيل المثال الفرد الذي يرى أن مادة الرياضيات سهلة يختلف عن الفرد الذي يرى ويفكر بأن مادة الرياضيات هي مادة سهلة وممتعة، فعند مواجهة مسألة صعبة ومعقدة فأنّ كلا الفردين يفكران بها بطريقة مختلفة.

وخلاصة القول بإنّ الأشخاص أو الطلاب المتميزين ينسقون ويوظفون جهودهم بصورة شعورية وبشكل قصدي وبطريقة واعية في الدراسة والتعلم والمهارات التي يستخدمونها الطلاب في تنسيق وتنظيم جهودهم، وهنا تكمن عملية استخدام مهارات ما وراء المعرفة حيث أنّهم ينسقون وينظمون معرفتهم الذاتية وأنشطة التعلم الذاتية وتحديد متطلبات التعلم، حيث إنّه ينطوي على معرفة متى تعرف ومعرفة متى لا تعرف ومعرفة ما يجب فعله عندما لا تعرف، وبمعنى آخر إنّه ينطوي على المراقبة الذاتية وتصحيح عمليات التعلم الخاصة بك، وعلى سبيل المثال من الممكن الانخراط في ما وراء المعرفة إذا لاحظ المرء أنّه يواجه مشكلة في تعلم المفهوم (أ) أكثر من المفهوم (ب)، أو إذا أدرك أنّ أسلوبه في حل مشكلة ما لا تعمل وقرر تجربة نهج مختلف.


شارك المقالة: