علم النفس الأخلاقي مقابل علم النفس التطوري

اقرأ في هذا المقال


يتمثل علم النفس بالعديد من التخصصات الجزئية له، وتعتبر هذه الأجزاء من علم النفس ذات تخصصات علمية مترابطة مع بعضها البعض، ومع وجود العديد من الاختلافات، خصص علماء النفس والباحثين جزء من هذه العلاقات للكشف عن ما يُعرف بعلم النفس الأخلاقي مقابل علم النفس التطوري.

علم النفس الأخلاقي مقابل علم النفس التطوري

هناك علاقة جوهرية بين علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري؛ لأنها تعتبر فروع علمية تطورية يهدف علم النفس إلى شرح الآليات النفسية الكامنة ورائها والتي توضح الإدراك الاجتماعي البشري، وتشير للسلوك الإنساني المتعلق بالأخلاق إلى شكل واحد من أشكال الإدراك الاجتماعي والسلوك الإنساني، لكن هذه العلاقة ليست كذلك ولأسباب تاريخية فقد أصبح علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري من المواضيع الحساسة.

أدت المحاولات الرئيسية الأولى لترسيخ المعايير الاجتماعية والأخلاقية على المبادئ التطورية لعلماء النفس الاجتماعي والتطوري معاً، حيث أن الاجتماعية تتمثل بالرأي القائل بأن الانتقاء الطبيعي بالاختيار أصلح الأفراد في عملية نافعة أخلاقيًا، وبالتالي ينبغي أن يكون عدم المساواة الاجتماعية من المفاهيم التي يهتم بها الباحثين أو زيادتها لمساعدة البشرية على التطور إلى مستوى أعلى من التنمية.

في النظر لعلم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري وفقًا للسياسات الاجتماعية التي يجب أن تساهم بنشاط في اختيار المرغوب فيه كخصائص، تمت الدعوة إلى حد كبير في الأوساط الأكاديمية والسياسية من أواخر القرن التاسع عشر التي خدمت النظرية التنموية كمبرر لجميع أنواع التمييز والقوانين الأخلاقية، وفي النهاية تم دمج مدرستي الفكر المتمثلة في علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري كأساس للحكم الاجتماعي.

بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح من الواضح أن المبادئ النظرية التي تقوم عليها كل من علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري، لا يمكن أن تستخلص النظرية الاجتماعية وعلم تحسين النظرية التنموية من نظرية التطور العلمي وعلم الوراثة، فلقد خدموا مجرد أهداف سياسية مشكوك فيها، لكن الأذى وقع وأثارت عواقب وشكوكًا واسعة النطاق ضد أي محاولة في التفكير في العلاقة بين نظرية التطور والأخلاق.

دور إدوارد ويلسون في علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري

في السبعينيات قدم العالم إدوارد ويلسون مساهمة بيولوجية مهمة من خلال عمله على تطور السلوك الإنساني الاجتماعي والذي خدم العلاقة القائمة بين علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري، تمشيًا مع النماذج الرياضية للتطور اقترب ويلسون من السلوك الإنساني الاجتماعي من خلال عدسة السمات الوراثية أي الجينات المعبر عنها ظاهريًا في علم النفس التطوري التي تنتشر ضمن السكان.

اعتبر ويلسون الأفراد بصفة رئيسية كناقلات مؤقتة للجينات، حيث أن ملاحظاته التفصيلية عن عالم الحيوان على وجه الخصوص الحشرات تعتبر أمثلة عديدة للمبادئ التطورية العامة في تنظيم السلوك الاجتماعي، مثل اختيار الأقارب والمعاملة بالمثل والمنافسة، لكن ويلسون لم يقترح مجرد تحليل لسلوك الحيوانات غير البشرية بل تعداها للتفسير الأوسع والأكثر شمولية للسلوك الإنساني البشري.

مدد العالم إدوارد ويلسون تحليله التطوري إلى الأخلاق البشرية، فوفقا له فالعلاقة بين علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري، يعبر عن نهج علمي ليوفر السلوك الاجتماعي البشري معرفة أفضل بالممارسات الأخلاقية للإنسان مقارنة بالفلسفة النفسية، ويعلمنا عن نوع النظام الأخلاقي الأكثر تكيفًا، حيث أنه استكشف الآلية العصبية للحكم الأخلاقي بأنها تعتبر أمر مرغوب فيه وجاري بالفعل وإن دراسة التطور الأخلاقي، فإنها ليست سوى نسخة أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للتتبع من الجينات ومشكلة التباين.

نظرية التعددية في علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري

ما يستخلصه العالم إدوارد ويلسون من المعرفة العلمية المتاحة في العلاقة بين علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري هو وجود نظرية تربط بينهما وهي نظرية التعددية الأخلاقية الفطرية، حيث تشير هذه النظرية أنه لدى البشر نزعة فطرية للالتزام بمجموعات مختلفة من المعايير الأخلاقية اعتمادًا على إدراجها في فئات الجنس والعمر المختلفة والاعتماد على الظروف الاجتماعية والبيئية التي يواجهونها، على سبيل المثال المراحل المبكرة للنمو، وفترات التوازن، أو نوبات الاكتظاظ السكاني.

تعتبر نظرية التعددية في علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري ميزة انتقائية للأطفال الصغار ليكونوا متمركزين حول الذات وغير راغبين نسبيًا في ذلك في أداء أعمال الإيثار، وبالمثل يجب أن يكون المراهقين أكثر تقيدًا بنظرائهم في العمر في الروابط داخل جنسهم وبالتالي حساسة بشكل غير عادي لموافقة الأقران؛ السبب هو أنه في هذا الوقت يعود الفضل الأكبر في تكوين التحالفات والارتقاء في المكانة من وقت لاحق.

باختصار يجادل ويلسون بأن النظرية التعددية تقدم بعض الإرشادات للنظرية الأخلاقي؛ لأن المعايير الأخلاقية العالمية لن تتكيف مع الأفراد الذين من المفترض أن يتبعوا لهم، فإن فرض قانون موحد هو بالتالي خلق معضلات أخلاقية معقدة وعسيرة الحل، ومع ذلك فمن المثير للاهتمام أن هذه النظرية التعددية لا تشرح ما إذا كانت المعضلات الناتجة عن التطبيق وأن المعايير الموحدة غير مكيفة أسوأ من المعضلات الناتجة عن المتزامن في تطبيق مجموعات مختلفة من المعايير الأخلاقية.

علاوة على ذلك يؤكد ويلسون أن المعيار الفريد لتعريف وظيفة الأخلاق في النظرية التعددية في علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري هو تأثيره على السلوك الإنساني التكيفي، حيث يسترشد البشر بغريزة قائمة على الجينات وحتمًا سيتم تقييد القيم وفقًا لتأثيراتها على الجين البشري ويعتبر الدماغ هو نتاج هذا التطور.

التطبيقات المعاصرة في علم النفس الأخلاقي وعلم النفس التطوري

لقد رأينا أن العالم إدوارد ويلسون قد دافع عن عدد من الآراء بخصوص التفاعل بين علم التطور والأخلاق، والنطاق المعياري لتأكيداته غير واضح، ومن أجل اتخاذ موقف بشأن هذا الأمر من الجدير توضيح ذلك بطريقة منهجية في الطريقة التي يمكن بها تجنيد المعرفة والحِجَج من علم النفس التطوري في الاختلاف وخاصة في مجالات الأخلاق مثل الأخلاق الوصفية، والأخلاق الفوقية، والأخلاق المعيارية، والأخلاق العملية.

تركز الأخلاق الوصفية من البحث النفسي على الشرح في كيف يفكر البشر في الأمور الأخلاقية بما في ذلك استكشاف المعايير المشتركة عالميًا و الاختلافات الثقافية والتحقيق في آليات الدماغ المشاركة في التقييمات الأخلاقية، والتركيز على العلاقة بين التفكير والسلوك الأخلاقي مثل الدافع للعمل، وتوضيح مدى أخلاقية الكفاءات، هذا هو مجال الأخلاق الذي له علاقة تطورية في علم النفس الأخلاقي.

بينما تعتبر الأخلاق الفوقية مجال بحثي محدد في الفلسفة الأخلاقية، لا تهتم بالمعايير الأخلاقية بل بالأسئلة التي تعبر عن الصواب والخطأ في أذهاننا وتفكيرنا فقط، في حين تهتم الأخلاق المعيارية والتطبيقية بتحديد الصواب أو الخطأ أي ما نحن يجب أو لا ينبغي، ومنها تتحقق الأخلاقيات المعيارية من المبادئ أو القواعد العامة أو الإجراءات التي تساعدنا في تقييم ما هو صواب وما هو خطأ، في حين أن الأخلاقيات التطبيقية تهتم أكثر بالبحث النفس حول أخلاقيات عملية لقضايا محددة.


شارك المقالة: