مفهوم الإدراك الاجتماعي في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الإدراك الاجتماعي في علم النفس الاجتماعي:

الإدراك الاجتماعي: هو ترميز وحفظ وإعادة وتعديل المعلومات حول أعضاء من نفس النوع، أي أنها ببساطة القدرة على التفكير وفهم الآخرين، بحيث يعتبر الإدراك الاجتماعي نهج محدد لعلم النفس الاجتماعي ومجال علم النفس الذي يدرس كيفية تأثر أفكار الناس وسلوكياتهم بوجود الآخرين، ويستخدم أساليب العلوم المعرفية.

منذ آلاف السنين كانت هناك خطوة فلسفية في العملية التطورية مفادها أن البشر يختلفون عن غيرهم من المخلوقات، على الرغم من أن العديد من جوانب علم النفس، مثل الإدراك والتعلم والذاكرة، التي يمكن تعميمها عبر الأنواع، إلا أن مجال الإدراك الاجتماعي يعمل خصيصاً مع الأفكار والأحداث التي يمكن القول أنها إنسانية بشكل خاص؛ بسبب أن الإدراك الاجتماعي يركز على المهام الذهنية التي تحفز فهم الأفراد لكل من النفس والآخرين.

يشير مصطلح الإدراك الاجتماعي إلى العديد من العمليات المختلفة التي من خلالها تفهم المخلوقات وفهم العالم، ويقوم بمهمة معالجة المعلومات ويتأثر بشدة بالتطورات في الحوسبة التي بدأت في الأربعينيات، بحيث يعتبر كغيره من العمليات المعرفية مثل الانتباه والذاكرة وتخطيط العمل في التفاعلات الاجتماعية.

تفسير علماء النفس لمفهوم الإدراك الاجتماعي:

عندما نتفاعل مع البيئة المحيطة بنا، يبدأ علماء النفس تقليديًا من المدخلات الإشارات الناشئة عن البيئة تؤثر علينا، حيث يتم الكشف عن الأحاسيس بواسطة أعضاء حواسنا مثل العينين، وبعدها يتم تحويل الأحاسيس إلى تصورات على أساس المعرفة السابقة والسياق الحالي.

بعد ذلك، يتم اتخاذ القرارات بشأن أفضل ما يجب القيام به استجابة لهذه التصورات ويتم تخطيط الإجراءات وأخيرًا يبدأ الإنتاج في شكل حركات آلية ضمن هذا الإطار العام للتحفيز والاستجابة، يمكن أن يكون لدينا مجموعة فرعية من العمليات المعنية بالمحفزات الاجتماعية مثل قراءة تعبيرات الوجه والقدرة على الوصول لتحقيق الإدراك الاجتماعي.

أهمية الإدراك الاجتماعي:

عند تخيل المشكلات النفسية التي سيواجهها الفرد إذا لم يكن قادرًا على إنتاج وفك تشفير المعنى المتأصل في تعابير الوجه، سيكون التفاعل الاجتماعي الناجح بعيدًا عن متناوله، حيث يعتمد الجانب النفسي للبشر باستمرار على إشارات الوجه الدقيقة جدًا لتحديد ما ينوي الآخرين، والتفكير، والشعور والاهتمام.

قد تنشأ العديد من الصعوبات بدون وجود إدراك اجتماعي عند التعامل مع أشخاص آخرين، التي تتمثل من مكون أساسي للإدراك الاجتماعي، وهو فهم الذات وتقديرها، حيث تعتبر الذات عمومًا البصيرة الواعية التي يمتلكها الشخص في وجوده على هذا النحو، ويعطي هذا البناء حياة الإنسان معنى ونظامًا وهدفًا.

يقوم الإدراك الاجتماعي على تكوين العديد من الذكريات والمحفوظات، حيث تستند ذكريات الناس إلى تجربتهم الفريدة للأحداث والمواقف المختلفة مع غيرهم، ويتم تفسير نشاطهم الحالي بطريقة شخصية، ورؤيتهم للمستقبل هي رؤيتهم هم وحدهم، ويعتبر الهدف من الإدراك الاجتماعي هو تقديم تفسيرات آلية عملية المنحى للظواهر الاجتماعية المعقدة.

جوانب الإدراك الاجتماعي:

1- الملاحظة:

تعتبر الملاحظة جانب أساسي مهم للإدراك الاجتماعي، التي تسعى باستمرار الفاعلين الاجتماعيين لتبسيط وتنظيم معرفتهم بالعالم، ربما يمتلك الأطفال معرفة واسعة بالأشجار ويمكنهم توفير هذه المواد عند الطلب؛ وذلك لأن المعلومات حول العالم مخزنة في شبكات واسعة في الذاكرة أو الشبكات أو المخططات التي يمكن الوصول إليها بسرعة وسهولة.

تعبر أبسط طريقة للتفكير في المخططات التابعة للملاحظة في الإدراك الاجتماعي هي تخيل أن الدماغ يحتوي على العديد من خزائن الملفات المقفلة، مع العديد من الملفات المخزنة داخل كل خزانة تحتوي هذه الملفات على معلومات، متفاوتة في الخصوصية، حيث يتيح لنا تخزين المعلومات ذات الصلة من خلال الملاحظة الوصول إلى المواد عندما نكون بحاجة إليها.

كما أنه يمنع المعرفة غير ذات الصلة من دخول الوعي في الإدراك الاجتماعي في الوقت الخطأ، وعلى الرغم من أن تخزين المعلومات بهذه الطريقة مفيد، إلا أنه قد يكون له بعض النتائج المثيرة للاهتمام عندما تحتوي على معلومات حول أشخاص آخرين ويتم تنظيم الذاكرة الخاصة بالملاحظة بطريقة تعتمد على المجموعة.

2- التنميط والتحيز:

تتمثل إحدى نتائج التنظيم القائم على الإدراك الاجتماعي للمعلومات عن الأشخاص في أن الميل إلى ترتيب المعلومات بدقة بهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى التنميط والتحيز، حيث تتضمن القوالب النمطية تعميم ميزات أو معتقدات أو خصائص معينة على مجموعات كاملة من الناس على سبيل المثال، إذا كان الشخص الذي نتعامل معه رجلاً، فيجب أن يكون عدوانيًا وطموحًا وغير عاطفي، ويحدث التحيز عندما يتصرف الناس بناءً على هذه المعتقدات.

إذا لم يكن لدى الشخص القدرة على إنشاء قوالب نمطية بناءً على معرفته السابقة وخبرته بالناس، فسيكون خاليًا من أي تحيزات محتملة، حيث سيتم التعامل مع الناس ككيانات فريدة وسيكون التفاعل الاجتماعي خاليًا من التمييز، ومع ذلك، لتشكيل فريد ودقيق، عليه وضع انطباعات مستنيرة عن كل شخص يقابل، وهذا يتطلب قدرًا هائلاً من الوقت والطاقة.

الإدراك التلقائي مقابل الإدراك المتحكم فيه في الإدراك الاجتماعي:

يعتبر كل من الإدراك التلقائي والإدراك المتحكم به جزء جيد من الإدراك الاجتماعي، بحيث يشير الإدراك التلقائي إلى التفكير الذي يحدث من خلال وعينا بسرعة ودون بذل الكثير من الجهد، حيث تميل الأشياء التي نقوم بها بشكل متكرر إلى أن تصبح أكثر تلقائية في كل مرة نقوم بها، حتى تصل إلى مستوى لا تتطلب منا التفكير فيها كثيرًا.

وهذا يختلف عن الإدراك الاجتماعي الذي يقوم الشخص بفرض رقابة عليه والتحكم به، حيث يحتاج الإدراك المتحكم فيه إلى القدرة على التحكم والانتباه والربط بين العديد من المهام التي يقوم بها الشخص، مثل ركوب السيارة والحديث مع المرافق له في نفس الوقت ونفس التركيز، وهذا يتطلب الجهد بخلاف الإدراك التلقائي.

نظرًا لأن الإدراك الاجتماعي التلقائي يحدث خارج وعينا الواعي، فعادةً ما لا ندرك أنه يحدث ويؤثر على أحكامنا أو سلوكياتنا، فقد يقوم الشخص بوضع المفتاح في مكانه المعتاد حين عودته للمنزل لكنه ببساطة لا يتذكر شيئًا عنها؛ نظرًا لأن العديد من أحكامنا وسلوكياتنا اليومية يتم تنفيذها تلقائيًا، فقد لا ندرك دائمًا أنها تحدث أو تؤثر علينا.

من ناحية أخرى، الاعتماد على أحكامنا المفاجئة حول المواقف والأشخاص التي من المحتمل أن تكون معبرة، يمكن أن يكون خاطئًا، ففي بعض الأحيان نحتاج إلى أن نتجاوز الإدراك التلقائي وننظر في الأشخاص بعناية أكبر، عندما نحجم عن قصد ونفكر في شيء ما أو شخص آخر فإننا نسميه الإدراك المدروس أو الإدراك المتحكم فيه.

على الرغم من أننا قد نعتقد أن الإدراك الخاضع للرقابة سيكون أكثر شيوعًا وأن التفكير التلقائي سيكون أقل احتمالًا، فإن هذا ليس هو الحال دائمًا، بل تكمن المشكلة في أن التفكير يتطلب جهدًا ووقتًا، وغالبًا ما لا يتوفر لدينا الكثير من هذه الأشياء نتيجة لذلك، نعتمد كثيرًا على الإدراك التلقائي، وهذه العمليات التي تعمل خارج وعينا لها تأثير كبير على سلوكياتنا.


شارك المقالة: