مفهوم التفاؤل في علم النفس الإيجابي

اقرأ في هذا المقال


تعتبر التوقعات الإيجابية والسلبية فيما يتعلق بالمستقبل مهمة لفهم قابلية التعرض للاضطرابات النفسية، لا سيما اضطرابات المزاج والقلق، فضلاً عن الأمراض الجسدية، حيث أن علم النفس الإيجابي يُظهر علاقة إيجابية مهمة بين التفاؤل وكيفية المواجهة التي تركز على الدعم الاجتماعي والتأكيد على الجوانب الإيجابية للمواقف العصيبة.

مفهوم التفاؤل في علم النفس الإيجابي:

يشير مفهوم التفاؤل في علم النفس الإيجابي إلى مفهومين مترابطين بشكل وثيق الأول هو الميل إلى الأمل، بينما يشير الثاني بشكل عام إلى الميل إلى الاعتقاد بأننا نعيش في أفضل العوالم الممكنة، كما صاغها جوتفريد فيلهلم ليبنيز، بحيث يعتبر التفاؤل من الظواهر النفسية التي توضح أنها من أساليب الشخص المنسوبة إليه والتحيز المعرفي أو الوهم المشترك.

تم وضع نظرية النزعة نحو التفاؤل في دراسة تسمى التفاؤل والميول، باعتبار التفاؤل أنه سمة شخصية متوازنة، في الوقت المناسب وفي المواقف المختلفة، والتي تؤثر على الطريقة التي يتصالح بها الأفراد مع الأحداث الحالية والماضية والمستقبلية في الحياة، فالأفراد المتفائلين هم إيجابيين تجاه الأحداث في الحياة اليومية.

يعتبر التفاؤل بمنظور علم النفس الإيجابي ذو ارتباطات إيجابية مع الرفاهية الجسدية أو العقلية أو النفسية، بحيث تميل الموضوعات المتفائلة إلى أن يكون لها مواقف وقائية أكثر في كثير من الأحيان، وتكون أكثر مرونة في مواجهة الإجهاد وتميل إلى استخدام استراتيجيات تكيف أكثر ملاءمة.

يعتبر التفاؤل في علم النفس الإيجابي، أسلوب إسناد يتميز بالميل إلى الاعتقاد بأن الأحداث السلبية غير ثابتة أي أن الحدث السلبي لن يكرر نفسه، وهي خارجية عن الحدث ومحددة الحدث، ومقيد ذاتيًا ولن يؤثر على أي أنشطة أخرى خاصة بالفرد من أنشطة الحياة، بحيث يعتقد المتفائلين أن الأحداث الإيجابية أكثر استقرارًا وتكرارًا من الأحداث السلبية، ويعتقدون أنهم يستطيعون تجنب المشاكل في الحياة اليومية ومنعها من الحدوث، وبالتالي فهم يتعاملون مع المواقف العصيبة بنجاح أكبر من المتشائمين.

ويعتبر التفاؤل في علم النفس الإيجابي هو نتيجة التقليل المعرفي للمخاطر وتحيز للذات، بحيث يعكس هذا التحيز قناعة المتفائل بأن الأحداث الإيجابية من المرجح أن تحدث لنفسها بينما الأحداث السلبية تؤثر بشكل سائد على الآخرين، والتحيز المتفائل ليس سمة شخصية مثل التفاؤل الميول، ولكن بالأحرى تشويه معرفي منهجي للنظر في احتمال مواجهة المرء لأحداث سلبية.

أهمية التفاؤل في علم النفس الإيجابي:

يعتني علم النفس الإيجابي بالنهوض والنجاح والوصول للصحة العقلية والصحة النفسية العالية، ويعتبر التفاؤل من أهم الأساليب والاستراتيجيات التي تحقق أهداف علم النفس الإيجابي، بحيث تتمثل أهمية التفاؤل في علم النفس الإيجابي من خلال ما يلي:

1- تحسين الصحة العقلية:

التوقعات الإيجابية والسلبية فيما يتعلق بالمستقبل مهمة لفهم قابلية التعرض للاضطرابات النفسية، لا سيما اضطرابات المزاج، بحيث يوجد علاقة عكسية بين التفاؤل وأعراض الاكتئاب، وكذلك بين التفاؤل والتفكير الانتحاري، على هذا النحو، يبدو أن للتفاؤل دور معتدل مهم في الارتباط بين مشاعر فقدان الأمل والتفكير الانتحاري.

بحيث يعتبر التفاؤل ذو آثار جيدة عند استخدام العلاج النفسي لتعزيز التصرف المتفائل في الموضوعات المتشائمة، وبالتالي تطوير استراتيجية فعالة لمحاربة الاكتئاب، بحيث يقوم التفاؤل على مساعدة الأشخاص في استعادة السيطرة على جميع المواقف التي تؤثر عليهم بشكل سلبي.

2- تحسين الصحة الجسدية:

العلاقة بين الصحة البدنية والتفاؤل لا تقل أهمية عن العلاقة بين التفاؤل والصحة العقلية، بحيث يرتبط التفاؤل بتحسن الحالة الجسدية مقارنة بالتشاؤم، وعلى النقيض من التفاؤل، فإن التشاؤم مرتبط بالشكاوى الجسدية المفرطة، بحيث يؤثر التفاؤل والميول، واستراتيجيات التأقلم الأقل تجنبًا والمستوى المنخفض للاكتئاب بشكل إيجابي على تطور المرض لدى المرضى.

فيعتبر التفاؤل من أكثر العوامل والمثيرات التي تساعد علماء النفس الإيجابي في تشخيص العديد من الأمراض الجسدية التي لا تشخيص سريري لها، فالعديد من الأشخاص الذين يفتقرون للتفاؤل في المواقف الشديدة والسلوكيات المؤلمة والتي تؤثر بشكل سلبي عليهم.

3- دور التفاؤل في التكيف:

يشير التأقلم إلى تلك الآليات والعمليات العقلية التي يفعلها الفرد كاستجابة تكيفية لتقليل الضغط الناجم عن حالة تهديد معين، بحيث ظهرت علاقة إيجابية مهمة بين التفاؤل والجوانب المختلفة للحياة، مثل استراتيجيات المواجهة المركزة على المشكلة، والبحث عن الدعم الاجتماعي والتأكيد على الجوانب الإيجابية للوضع المجهد.

يرتبط التفاؤل في التصرف ارتباطًا إيجابيًا باستراتيجيات المواجهة المصممة للقضاء على الضغوطات أو تقليلها أو إدارتها، كما أنه يرتبط ارتباطًا سلبيًا بتلك التي يتم توظيفها لتجاهل أو تجنب أو الابتعاد عن الضغوطات والعواطف، علاوة على ذلك، فإن اختيار استراتيجية المواجهة يكون ثابتًا على مدار الوقت.

يهتم التفاؤل من وجهة نظر علم النفس الإيجابي في التكيف لدى الأفراد والمجتمع في جميع المراحل والأماكن، مثل تكيف وتوافق الطلاب داخل المدرسة والبيئة الصفية والمعلمين، أيضاً التكيف المهني للموظفين من حيث تقبلهم للبيئة المهنية والمسؤولين والأدوار المطلوبة منهم، بحيث يعتبر هدف التكيف هو التطور من الناحية النفسية وهذا ما يسعى له التفاؤل.

من خلال توظيف استراتيجيات تأقلم محددة، يؤثر التفاؤل بشكل غير مباشر أيضًا على جودة الحياة، وخاصة للعديد من المرضى المتفائلين الذين قدموا استراتيجيات للتكيف تتميز بقبول الموقف والتأكيد على الجوانب الإيجابية ومحاولات التخفيف من حالتهم بروح الدعابة، مما يظهر نتائج إيجابية واضحة على نوعية حياتهم.

تعتبر أهمية نوعية الحياة لقدرة الفرد على التكيف وتعديل أهدافه وفقًا لمواقف مختلفة من الممكن تجنب أو تقليل التداعيات النفسية والجسدية السلبية الناتجة عن عدم تحقيق الهدف من خلال عملية التنظيم الذاتي التكيفي الذي يستهدف فك الارتباط عن غير قابل للتحقيق الهدف وتركيز الجهود بدلاً من ذلك على أهداف أكثر قابلية للتحقيق.

4- التفاؤل ونمط الحياة الصحي وإدراك المخاطر:

إحدى الطرق التي قد يؤثر بها التفاؤل بشكل كبير على الرفاهية الجسدية هي من خلال الترويج لنمط حياة صحي، ففي الواقع، يُعتقد أن التفاؤل يسهل السلوكيات التكيفية والاستجابات المعرفية التي توافق على تطوير المعلومات السلبية بشكل أكثر كفاءة والتي ترتبط بمرونة أكبر وقدرة على حل المشكلات، واستراتيجيات المواجهة هذه تنبئ بدورها بالسلوكيات التي تستهدف تجنب المشاكل الصحية، وإذا لزم الأمر مواجهتها بشكل إيجابي.

وبتحليل الارتباط بين التفاؤل والسلوكيات الصحية، وجدو أن التفاؤل مرتبط بالسلوكيات الصحية مثل الامتناع عن الأطعمة السريعة، وعادات المشي السريع والنشاط البدني المنتظم، بغض النظر عن العوامل الديموغرافية، والظروف النفسية والجسدية الحالية وكتلة الجسم.

يعبر التفاؤل عن الأشخاص الإيجابيين في التوجه نحو السلوكيات التي تحميهم من العديد من النتائج السلبية والتأثر بها، بحيث يساعم التفاؤل من وجهة نظر علم النفس الإيجابي في إدراك المخاطر والنتائج السيئة للعديد من السلوكيات المندفعة والتي لا تنم عن تفكير أو أي تفاؤل بالنجاح الأكيد.


شارك المقالة: