مفهوم الرقابة العقلية في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الرقابة العقلية في علم النفس الاجتماعي:

يشير مفهوم الرقابة العقلية في علم النفس الاجتماعي إلى الطرق التي يتحكم بها الناس في أفكارهم وعواطفهم للبقاء في اتفاق مع أهدافهم، حيث ينخرط الأشخاص في الرقابة العقلية عندما يقومون بقمع فكرة معينة، أو التركيز على الشعور أو الإحساس أو تقييد الاستجابة العاطفية، أو السعي للحفاظ على الحالة المزاجية، ومنها ثبت أن الرقابة العقلية صعبة بالنسبة لمعظم الناس، وأن دراسة الرقابة العقلية لها آثار على علاج مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية.

خلفية وتاريخ مفهوم الرقابة العقلية في علم النفس الاجتماعي:

الدراسة العلمية للرقابة العقلية جديدة نسبيًا في علم النفس، حيث أنه قبل عام 1987 لم يظهر مصطلح الرقابة العقلية في أي بحث في الأدبيات النفسية، ومع ذلك فقد لوحظ ميل الناس إلى ممارسة السيطرة على أفكارهم وعواطفهم ثقافيًا لأكثر من قرن.

لعل أشهر مثال على الرقابة العقلية جاء من الكاتب الروسي ليو تولستوي، الذي وصف الوقت الذي أمر فيه شقيقه الأصغر بالجلوس في زاوية وعدم التفكير في دب أبيض، بمجرد تحدي قمع أفكار الدب الأبيض، وقف تولستوي الأصغر في الزاوية، مرتبكًا ومحبطًا لقمع الأفكار غير المرغوب فيها عن الدب الأبيض.

جاء أول مفهوم للرقابة العقلية في الأدبيات النفسية من كتابات سيغموند فرويد حول دراسة القمع، الذي وصفه بأنه ميل الناس إلى نبذ أفكار معينة من وعيهم عن غير قصد، حيث يحدث القمع خارج الإدراك الواعي، بناءً على دوافع لا يدركها الشخص، وينتج عنه القضاء على كل من ذاكرة معينة والذاكرة التي تمثل حدث القمع.

على الرغم من أن النظرة الفرويدية للقمع احتلت مكانة مهيمنة في علم النفس طوال أوائل القرن العشرين، إلا أن البحث الذي يحقق في هذا الرأي قد أسفر عن القليل من الأدلة الداعمة، بعدها في الثمانينيات بدأ الباحثين في النظر في تأثير الجهود الواعية لقمع الأفكار غير المرغوب فيها.

تم توثيق ميل الناس إلى ممارسة الرقابة العقلية على الأفكار غير المرغوب فيها على نطاق واسع في كل من الأفراد العاديين وأولئك الذين يعانون من مجموعة متنوعة من الاضطرابات العقلية، مثل الاكتئاب والوساوس والإكراه، وضغوط ما بعد الصدمة، حيث سعى هؤلاء الباحثين إلى فحص نتائج محاولة القمع على الإدراك والعاطفة والمهام السلوكية اللاحقة.

دورة القمع في الرقابة العقلية في علم النفس الاجتماعي:

سعى باحثو الرقابة العقلية الأوائل إلى تحديد العملية التي يمارس بها الناس هذه العملية الذهنية، ومنها أظهر دانيال فيجنر وزملاؤه أنه عندما يمارس الناس الرقابة العقلية، فإنهم يفعلون ذلك غالبًا بطريقة دورية، طلب الناس قمع فكرة الدب الأبيض، على سبيل المثال.

يبدأ القمع بمرحلة إلهاء ذاتي يخططون فيها لإلهاء أنفسهم مثل أنا سأفكر في شيء آخر، وتتضمن المرحلة الثانية اختيار مشتت للانتباه مثل أنا سأفكر في كتاب معين، مما يؤدي إلى عودة تطفلية للفكر غير المرغوب فيه على سبيل المثال الدب الأبيض موجود مرة أخرى، وعندما يعود الفكر غير المرغوب فيه، تتكرر الدورة مع العودة إلى الخطة لإلهاء الذات مثل أنا الآن سأفكر في شيء آخر. تشتمل دورة القمع هذه على عمليتين معرفيتين رئيسيتين تتمثل من خلال ما يلي:

1- البحث عن المشتتات المتحكم فيه:

يتضمن البحث عن المشتتات المسيطر عليها البحث الواعي عن الأفكار التي ليست فكرة غير مرغوب فيها، والتي يتم تنفيذها بهدف استبدال الفكر غير المرغوب فيه.

أظهرت الأبحاث أن توافر المشتتات المحتملة في البيئة يؤثر على المشتتات التي يستخدمها الناس أثناء ممارسة الرقابة العقلية، حيث يعتمد الناس أيضًا على حالتهم العقلية الحالية لتكون بمثابة مشتتات أثناء الكبت، على سبيل المثال تبين أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يختارون عوامل تشتيت الانتباه أثناء الكبت.

أظهر البحث النفسي أن الأشخاص الذين تم تحريضهم على مزاج إيجابي أو سلبي اختاروا مشتتات مرتبطة بمزاجهم، مما تشير هذه النتائج إلى أن الرقابة العقلية هي عملية تتضمن قمعًا أوليًا للفكر أو العاطفة غير المرغوب فيها والبحث عن مواد في البيئة مرتبطة أو لا علاقة لها بالفكر أو العاطفة المكبوتة.

2- البحث التلقائي عن الهدف:

يستلزم البحث التلقائي عن الهدف البحث عن أي علامة على الفكر غير المرغوب فيه، وتكتشف هذه العملية ما إذا كان البحث عن المشتتات المتحكم فيه ناجحًا في استبدال الفكر غير المرغوب فيه.

عواقب مفهوم الرقابة العقلية في علم النفس الاجتماعي:

على الرغم من أن الكثير من الأبحاث قد حققت في العملية التي يمارس بها الأشخاص الرقابة العقلية في حياتهم اليومية، إلا أن أبحاثًا أخرى قد درست الآثار المترتبة على ممارسة الرقابة العقلية التي تم إجراءها في البحوث النفسية الاجتماعية، حيث أظهر البحث النفسي العديد من النتائج المترتبة لممارسة مفهوم الرقابة العقلية، ويمكننا ذكر أهمها من خلال ما يلي:

1- مستوى عالي من الهوس والكبت:

ظهر أن ممارسة الرقابة العقلية على حدث أو شيء معين يجعل الناس يظهرون مستوى أعلى من الهوس أو الانشغال بالأشياء المكبوتة مقارنة بالأشخاص الذين لم يقمعوا أبدًا فكرة أو عاطفة فيما يتعلق بحدث أو شيء معين.

تم توجيه بعض المشاركين في هذه الدراسة لقمع فكرة الدب الأبيض، في حين أن المشاركين الآخرين أكملوا مهمة مماثلة ولكن لم يُطلب منهم قمع فكرة الدب الأبيض، حيث أنه بعد أن أكمل المشاركين هذه المهمة الأولية التي قاموا فيها إما بقمع فكرة الدب الأبيض أم لا، طُلب من المشاركين التفكير في دب أبيض وقرع الجرس في كل مرة يخطر ببالهم دب أبيض.

قام المشاركين الذين قمعوا فكرة الدب الأبيض أثناء المهمة الأولية بقرع الجرس أكثر من المشاركين الذين لم يقمعوا فكرة الدب الأبيض أثناء المهمة الأولية، وهكذا أدى الفعل الأولي المتمثل في قمع فكرة الدب الأبيض إلى زيادة تفعيل مفهوم الدب الأبيض في ذهن هؤلاء المشاركين.

2- ضعف ضبط النفس:

نتيجة أخرى لممارسة السيطرة العقلية هي ضعف ضبط النفس، حيث أظهر روي بوميستر وزملاؤه أن المشاركين الذين قمعوا فكرة في مهمة أولية أظهروا أداءً ضعيفًا في مهمة لاحقة لضبط النفس مقارنة بالمشاركين الذين لم يقمعوا فكرة من قبل، ومنها تشير هذه النتائج في البحث النفسي في المنهج التجريبي إلى أن مفهوم الرقابة العقلية في علم النفس الاجتماعي هي عملية مجهدة يمكن أن تسبب ضعفًا في قدرة الشخص على الانخراط في ضبط النفس بنجاح.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: