أحادية الموهبة للموهوبين والمبدعين

اقرأ في هذا المقال


أحادية الموهبة للموهوبين والمبدعين:

هناك من يعقد بفكرة أحادية الموهبة والتفوق أي أن الموهبة والتفوق تظهر لدى شخص ما في مجال وليس في غيره من المجالات، وهي تشبه النقطة العلمية في قولنا بأن الطبيب المبدع مثلاً لا يمكن أن يكون شاعراً متميزاً أو أن السياسي البارع لا يمكن أن يكون فناناً أو أدبياً متميزاً، وغير أنه لا مجال للشك في أن هناك أفراداً موهوبين ومتفوفين عرفوا بقدراتهم الهائلة في مجالات معينة، وأن معظمهم كانوا يتمتعون بشخصيات متكاملة إلى حد كبير إلا أنهم وصفوا بطريقة غير مكتمله أحياناً لأن اهتماماتهم وميولهم الأساسية هي التي تظهر فقط غالباً للمجتمع.
وإن القاعدة العامة هي توافر القدرات المتنوعة للموهوبين والمتفوقين والمستثنى هو ما جاء على أثر ذلك، أما التعميم بأن الطفل الموهوب أو المتفوق لا يكون موهوباً أو متفوقاً إلا في مجال واحد، فهو لا يصمد أمام الحقائق والأدلة لأن الأدلة تدحض هذا الرأي، وتؤكد أن الموهوب شخص قد تتجلى موهبته في العديد من المجالات في مراحل مختلفة من حياته ولا يغير من واقع شيئاً أن المجتمع عرف نبوغه في مجال واحد فقط.
مثلاً: إن تاريخ الحضارة العربية الإسلامية حافل بالشواهد على هذه الحقيقة فالحسن بن الهيثم اشتهر بإنجازاته في مجالي الطبيعة والحساب، إلا أنه ألف في الهندسة والجبر والفلسفة والمنطق والفلك والطب واللغة والأخلاق والإلهيات ما يزيد عن مائتي مصنف، ولا يكتمل أي بحث للرياضيات أو الفلك أو الجغرافيا أو علم الإنسان أو المعادن من دون الإقرار بمساهمته العظيمة في كل علم من تلك العلوم.
وفي الحضارة الغربية يمكن أن نجد كثيراً من الشواهد لدحض هذا المفهوم المغلوط، ومن الأمثلة على ذلك (ليوناردو دافنشي) الذي يُعد أحد الاستثناءات الصارخة لمفهوم الموهبة الوحيدة حيث سجل التاريخ أنه لم يكن من أعظم الرسامين فحسب، بل كان أيضاً كان نحات ومعماري وفيلسوف وعالم ومهندس.
وتجدر الإشارة بهذا المجال إلى أن نظرية الذكاء المتعدد (لجاردنز) قد تبدوعلى تناقض مع المفهوم الأحادي للموهبة، ولكنها في الواقع ليست كذلك لأنها لا تنكر بالضرورة وجود أشخاص متعددي المواهبة، ويمكن أن يبرزوا أو يتفوقوا في أكثر من ميدان، وإن الحالات التي عرضها (جاردنز) في كتابه العقول المبدعة عرفت كل منها بإنجازات في مستوى الاختراق الإبداعي في مجال معين دون غيره، وغير أن هذه الحجة لا تقدم دليلاً قاطعاً على أن هذه الحالات لا تملك طاقة أو قدرة على إنجاز متميز في مجال أو آخر غير ذلك المجال الذي يرتبط بها اسمها.


شارك المقالة: