التحقق والبرهان من مراحل العملية الإبداعية:
تدل حياة المبدعين إلى أن عملية الاختراق الإبداعي لا تنتهي عادة بحدوث الإشراق وموارد الأفكار أو الوصول إلى حل المشكلة، وذلك أن هناك حاجة وضرورة لبذل مزيد من الجهد الواعي والمتابعة الدؤوبة للتغلب على العقبات التي تتعرض عادة للاختراق الإبداعي، وقد تضيع الفكرة أو يفقد الحل قيمته ما لم يستمر التفكيرالإبداعي حتى تبطل الفكرة مداها بالفحص والتقدم وتقديم الأدلة؛ على أنها متفردة وعملية.
وإن التاريخ العلمي مليء بأمثلة للنظريات الصحيحة التي تم رفضها في بداية الأمر وعندما تمت مراجعتها في وقت لاحق بعد عدة قرون أحياناً وجدت صحيحة، ومن أمثلة ذلك بعد حوالي (٨٠٠) عام على تقديم (أرستارخوس) في القرن الثالث قبل الميلاد فكرته بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس ولم يتمكن من إقناع الآخرين بذلك جاء (كوبرنيكس) لمراجعة كتابات الأقدمين حول النظريات لدراستها وإثبات صحتها.
تطلب العديد من الاختراقات الإبداعية دليلاً على صحتها وتقدمها في ما قبل، وقد مرت سنة (كبلر) وتقدم على نظرية (بطليموس) من حيث الدقة في التنبؤ بحركة الكواكب، ومع ذلك لم تهدأ مقاومة الدائرة الأكاديمية والدينية لهذا العلم الجديد، وبلغت ذروتها في محاكمة (جالتلو) بعد ذلك بقرون حين أجبر على إنكار نظرية (كوبرينكس) وعلى التراجع عن اعتقاده بأن الشمس هي مركز الكون وليس الأرض كما كان شائعاً في ذلك الحين ومنع من النشر وسجن في بيته حتى مماته، ومن الطريق بهذا الصدد أن الكنيسة التي اتهمت جالتلو بالزندقة لاكتشافه أن الأرض تدور حلو الشمس قبل حوالي ثلاثمائة عام هي نفسها الكنيسة الفاتيكان التي تقيم الآن مرصدين فلكيين أحدهما في أيطاليا والآخر في ولاية أريزونا الأمريكية.
ولم تكسب النظرية النسبية (لآينشتاين) بالشهرة خارج ألمانيا طيلة سبع سنوات عام (١٩٠٥) حتى عام (١٩١٢) وجاءت البحوث التجريبية لتعطي دليلاً على صحة نظريته من باحثين أخرين بعد أربعة عشر عاماً من إعلانها، وفي مجالات الآداب والفنون تكون الحاجة أكثر ضرورة للتطوير والإقناع للآخرين بدرجة الاختراق الإبداعي بما هو معاصر أو سابق له.
وأخيراً لا بد للإشارة إلى أن عرض مراحل عملية الاختراق الإبداعي قد لا تكون من الضرورة أن كل اختراق إبداعي لاكن هذه المراحل تمر بالترتيب والتنسيق إن التداخل بين المراحل قد يكون ممكن كما هو الحال بالنسبة لتقدم إحدى هذه المراحل على سابقتها.