تحتوي الأنثروبولوجيا على الكثير من المصطلحات والمفاهيم الأساسية، حيث تشمل كل العلوم والمعارف وفي هذا المقال سنتطرق إلى مصطلح الأنثروبولوجيا البيولوجية والأنثروبولوجيا التطبيقية.
مصطلح الأنثروبولوجيا البيولوجية:
(Biological Anthropology) ظهر هذا المصطلح في السنوات الأخيرة ليشير إلى دراسة العلاقات بين البيولوجيا والأنساق الاجتماعية الثقافية، بما في ذلك الأسس البيولوجية للسلوك البشري والنتائج المترتبة عليها. وهو بهذا المعنى يندرج تحت اهتمامات الأنثروبولوجيا الفيزيقية، فضلاً عن ميادين الأنثروبولوجيا النفسية، والإيكولوجيا الثقافية.
مصطلح الأنثروبولوجيا التطبيقية:
(Applied Anthropology) تطور هذا المجال من الدراسة بعد الحرب العالمية الثانية لاسيما في الولايات المتحدة، على أثر التدخل الذي حدث في سياسة الإدارة والتنمية في العالم الثالث عقب الحرب. وبصورة عامة، فقد استجاب المشتغلون بالأنثروبولوجيا التطبيقية لحاجة العالم الثالث للتغير ورغبته في التنمية.
وكانوا يميلون إلى اعتبار البناء السياسي السائد على الصعيدين القومي والدولي يكتسي طابعاً خيرياً في جوهره. ومن ثم فقد كرسوا جل جهدهم للإقلال إلى أدنى حد من شأن تعارض القيم بين عناصر ثقافية متباينة، وحاولوا خلق رابطة أكثر إيجابية بين الدول النامية (المتخلفة) والدول الساعية إلى تنميتها والأخذ بيدها. وأشهر تجارب الأنثروبولوجيا التطبيقية في هذا المضمار مشروع فيكوس الذي نفذته جامعة كورنيل الأمريكية في بيرو.
حيث لعب فريق البحث الأنثروبولوجي بقيادة ألف هولمبرج دور “السيد” في ضيعة زراعية كبرى، وراحو ينفذون خطة إصلاحية كثيراً ما تعرضت للنقد لكونها تفرض الوصاية على الناس، وكانت تهدف في نهاية الأمر إلى تمكين العناصر المنتجة من حيازة القوة في تلك الضيعة. واهتم الأنثروبولوجيون التطبيقيون في مناطق أخرى بمشكلات التفسير الثقافي وإساءة التفسير، كما حاولوا اقتراح توليفات مبتكرة من النظم والتكنولوجيات التقليدية والحديثة.
وفي دراسة مسحية حديثة لهذا الميدان تتبع فان ويلجن تطور الأنثروبولوجيا التطبيقية في عدة مراحل أطلق عليها: مرحلة الإثنولوجيا التطبيقية ومرحلة المساعدة الفيدرالية ومرحلة توسيع الدور ووضوح القيمة، ومرحلة البحوث العلمية (للمساعدة في رسم السياسات).
وإلى جانب ذلك عمل ويلجن على مراجعة بعض الميادين الجديدة في الأنثروبولوجيا التطبيقية التي نتجت عن مواقف نظرية وإيديولوجية مختلفة مثل: الأنثروبولوجيا العملية التي اقترحها سول تاكس، وأنثروبولوجيا البحث والتنمية التي ترمز لمشروع جامعة كورنيل في بيرو، واتجاه تنمية المجتمع المحلي والاتجاهات الأكثر حداثة فيما يعرف بأنثروبولوجيا الدعوة والوساطة الثقافية.
ومن جراء موقفها اللاسياسي تعرضت الأنثروبولوجيا التطبيقية للنقد من جانب أولئك المتحمسين بشدة لوجود أنثروبولوجيا للتنمية تعتمد على قدر أكبر من الوعي السياسي. ووفقاً لما يذهب إليه هؤلاء النقاد، فإن مجرد تركيز الأنثروبولوجيا التطبيقية على الاهتمام بالاختلافات الثقافية من شأنه أن يحجب حقيقة وجود أبنية للسيطرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي المسؤولة عن مشكلات التنمية.
وعلى نفس السياق، فإن أولئك الأنثروبولوجيين الذين ينتقدون تأثير القوة الاستعمارية على العلم ينظرون إلى الأنثروبولوجيا التطبيقية بوصفها امتداداً طبيعياً للاستعمار الجديد، وهي تبدو كما لو كانت نوعاً من ممارسة العلاقات العامة التي تغض الطرف عن المشكلات الحقيقية للتبعية والتخلف، وتؤدي بدورها إلى تورط الأنثروبولوجي في العمل على تخفيف مظاهر الصراع، مما يخدم مصالح الجماعة المسيطرة من خلال تقليص الجهد الثوري للسكان الخاضعين.
وقد نشأت هذه الانتقادات إلى حد ما من بعض صور التورط سيئة السمعة للأنثروبولوجيا في مواقف حساسة سياسياً: مثل مشروع كاميلوت الذي تضمن محاولة الحكومة الأمريكية استخدام البحث العلمي لتقدير حجم الشعور المضاد للشيوعية في شيلي. هذا المثل وغيره من الأمثلة كالتورط الأنثروبولوجي في فيتنام وتايلاند هو الذي فرض إلى حد ما، وعياً أكثر بالأبعاد السياسية لدور الباحث الأنثروبولوجي في المجال التطبيقي.
واستجابة لتلك الانتقادات بذلت عدة محاولات لتطوير الأنثروبولوجيا التطبيقية في اتجاه شدة الحساسية للمضامين السياسية للبحث العلمي ولصراعات المصالح المحتمل أن تنجم عن التدخل الأنثروبولوجي. والطريف أن كثيراً من التطورات الحديثة في الأنثروبولوجيا التطبيقية قد حدثت في البلاد المتقدمة نفسها.
فقد كانت الأنثروبولوجيا الطبية على سبيل المثال محوراً لكثير من التطورات المنهجية والنظرية في الأنثروبولوجيا التطبيقية. وفي مجال الأنثروبولوجيا التطبيقية الحديثة أصبحت الحدود التخصصية أقل صرامة مثال ذلك بين ما هو سوسيولوجي وما هو أنثروبولوجي.
ويرجع ذلك إلى أن الأنثروبولوجيين يحاولون العمل على توسيع أدواتهم المنهجية بما يتجاوز المنهج التقليدي للملاحظة بالمشاركة، ليس من أجل رفع الكفاءة المنهجية فحسب، وإنما من أجل التوصل إلى نماذج تفسيرية ومناهج قادرة على استيعاب الأبعاد الكبرى في العملية الثقافية التي يفيد فيها علم الاجتماع.
وفي إطار أمم العالم الثالث اهتمت التطورات الحديثة في الأنثروبولوجيا النقدية والأنثروبولوجيا الماركسية بالعمل المتواصل على إزالة التقسيم النظري بين الأنثروبولوجيا البحتة والأنثروبولوجيا التطبيقية، وذلك للتدليل على أن البحث والتدخل الأنثروبولوجي في مجمله يعتمد صراحة أو ضمناً على معايير أيديولوجية وسياسية.
ومع ذلك فإن المشكلات العملية المرتبطة بالتدخل في مواقف التنمية بالبحوث التعاقدية والمتصلة بالعلاقة بين الأنثروبولوجيا والسياسة، ما زالت تتطلب الدراسة الدقيقة والمنظمة، بدلاً من تناولها على مستوى شديد العمومية أو التنظير.