مستويات الإتقان في الإبداع:
تشير دراسات علم النفس المعرفي بصورة متكررة إلى أن الفرد بحاجة إلى فترة لا تقل عن عشرة سنوات من العمل الدؤوب الهادف حتى يتمكن من امتلاك سيطرة مبدئية أو بلوغ مستوى من الإتقان في مجال تخصصه، وقد توصل (جاردنر) الذي نشر مؤلفات عديدة في دراسة الموهبة والإبداع والتفكير إلى أن الاختراق الإبداعي الأول للمدعين برغم اختلاف الميادين والشخصيه التي درسها كان يظهر بعد عشر سنوات من البحث والاستغراق في ميدان الاهتمام وفي كتابه عقول مبدعة.
درس (جاردنر) حياة سبع شخصيات من المبدعين دراسة تحليلية وتفصيلية شملت كلا من (آنيشتاين وبيكاسو وجراهام وفرويد وسترافينسكي) ولاحظ في دراسته وجود ظاهرة مشتركة تجمع بين هؤلاء جميعاً على اختلاف أعمالهم الإبداعية وتنسجم مع مشاهدات موثقة، وفي دراسات علم النفس المعرفي ووصف (جاردنر) هذه الظاهرة بقاعدة العشر سنوات كمدة زمنية تسبق ظهور العمل الإبداعي الأول وتفصل بين هذا العمل وأول عمل إبداعي يليه لنفس الشخص.
وعلى سبيل المثال فقد بدأ (فرويد) مع الطب النفسي عام (١٨٨٥) عندما التحق بمستشفى في باريس للعمل مع كاركوت الذي كان له الأثر الأكبر على (فرويد) وغيره بورقة عنوانها علم النفس لأطباء الأعصاب أو كما يطلق عليها اختصاراً المشروع، وقام بإنجاز بحث في الأفكار الرئيسة لكتابة تفسير الأحلام الذي يعد اختراق إبداعي متكامل في عام (١٨٩٦) أما (اينشتاين) وكانت النتائج معالجة أول تجربة فكرية ويعد (أينشتاين) تلك التجربة بمثابة البذرة التي ولدت نظريته النسبية الخاصة التي نشرها في ورقة صدرت عام (١٩٠٥) وكانت التجربة الفكرية الأولى تدور حول خبرات مشاهد متحرك يحاول إدراك نقطة على موجة ضوئية تنبعث من مصدر ثابت.
وفي نفس السياق ورد قول بيتهوفن: “أنني أحمل أفكاري معي لمدة طويلة وغالباً ما أحملها معي لمدة طويلة جداً قبل أن أبدأ بكتابتها على الورق أنني مطمئن إلى ذاكرتي في عدم إضاعة أي فكرة رئيسة حتى بعد سنوات، وأنني أغير أشياء كثيرة وأحاول مرة تلو أخرى حتى أصل إلى مستوى القناعة في المعل، وبعد ذلك أبدأ في إعمال فطري في العمل من عدت الجوانب دون أن تخذلني الفكرة الرئيسة فيه بل إنها تشرق وتكبر بصورة مطردة إنني أسمع وأرى الصورة الذهنية مائلة أمامي من كل زاوية”.