موقف العباسيين من الأمويين في الأندلس

اقرأ في هذا المقال


موقف العباسيين من الأمويين في الأندلس:

لعل أهم حدث يتعلق بالسياسة الخارجية للعصر العباسي الأول هو انفصال الأندلس عن الدولة العربية الإسلامية، فقد كانت الأندلس غارقة ببحر من الخلافات القبلية عندما أعلن العباسيون بدء دولتهم عام (132 هجري)، وقابل العباسيون مشكلات جمة بعد إعلان دولتهم، فصرفهم ذلك عن إخضاع الأندلس لسلطائهم.

وعندما جاء العباسيون إلى الحكم كان عبد الرحمن بن حبيب الفهري والياً على إفريقيا، فلمّا سمع انتصار العباسيين والبيعة للخلفية أبي العباس بادر إلى أبي العباس معترفاً بخلافته، ومعلناً طاعته له، فوافق الخليفة أبي العباس من جهته على إقراره في ولايته، لذا لم يكن هناك ما يدعو إلى حربه.

لقد قام عبد الرحمن بن حبيب بعدة فتوحات، وبالرغم من اعترافه بالخليفة العباسي فقد ساءت علاقته بالعباسيين لأنه رفض مطالبهم المالية، ففي ذلك الوقت وحينما كان ابن حبيب يوسع دائرة نشاطه، بدأت الخلافة العباسية بعد أن شعرت بشيء من الاستقرار توجه أنظارها نحو المغرب في محاولة لإدخاله في سيطرتها المباشرة، ففي سنة (136 هجري)، وجه الخليفة أبو العباس جيشاً إلى مصر ليخرج بقيادة أبي عون عبد الملك بن يزيد الأزدي والي مصر لمدة من (133 هجري)، إلى المغرب في شهر جمادى الآخرة سنة (136 هجري).

وكانت الخطة أن يسبق القوات العباسية تنظيم حركة دعاية كبيرة يقوم بها أعوان العباسيين من بني معاوية بن حديج وبني موسى بن نصير لمعرفتهم بالمغرب، ولِمَا لهم فيه من اتباع وأنصار لحث الناس على التمرد ضد عبد الرحمن الفهري، أما عن العملية العسكرية فتقرر أن تكون مشتركة من القوات البرية والبحرية، وعهد بتنظيم الحملة البحرية إلى المثنى ابن زياد الخثعمي الذي وصل إلى الإسكندرية في شوال من تلك السنة لتجهيز المراكب، ونظراً لوفاة الخليفة أبي العباس لم يقدر لتلك الحملة أن تتم إذ رجع الدعاة بعد أن كانوا قد وصلوا إلى مدينة سرت، كما عاد أبو عون بالجيش وكان قد وصل إلى برقة، أما عن الأسطول فالظاهر أنه لم يكن قد تجهز بعد.

والذي يهمنا هنا هو أن حملة أبي عون عبد الملك بن يزيد الأزدي تعني أنَّ العلاقة قد فترت بين الخليفة أبي العابس وعبد الرحمن بن حبيب. ولابد من الإشارة إلى أنه عندما سقطت الخلافة الأموية بدمشق على أيدي العباسيين أخذ بعض الولاة العباسيين يتعقبون الأمويين ويبطشون بهم، وقد كان أشد هؤلاء قسوة هو عبد الله بن علي حيث أنه دعا العشرات من الأمويين إلى وليمة كبيرة بعد أن أعطاهم الأمان ثم غدر بهم وقتلهم في قلعة على أبي فطرس، وقد نجح بعض الأمويين في النجاة والهرب، ومنهم الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن هشام الذي استطاع الفرار إلى المغرب وقد كان معه مولاه بدر فظل عبد الرحمن يتنقل من قبيلة إلى أخرى حتى استقر به المطاف أخيراً عند أخواله في قبيلة (نفرة) إحدى قبائل البربر.

وقد كانت الأندلس في ذلك الوقت تموج بالاضطرابات بسبب الفتن والعصبيات القبلية بين القبائل اليمانية والمضرية، فرأى عبد الرحمن بن معاوية أنّ يستغل هذه المنازعات القبلية لصالحه، فأرسل مولاه بدراً إلى مَن بالأندلس مِن الأمويين وأنصارهم فتوطدت لعبد الرحمن الدعوة واجتمع عليه اليمانية، إذ استطاع بمساعدتهم العبور إلى الأندلس وقد بدأ نفوذه السياسي يقوى تدريجياً حتى انتهى بتشكيل الإمارة الأموية بالأندلس سنة (138 هجري)، وييدو أن عبد الرحمن ظلَّ يعترف بالخلافة العباسية من الناحية الشكلية فقط ولم يجرؤ بادئ ذي بدء أن يدعي الخلافة.

استغل الخليفة المنصور العلاء اليحصبي أحد خصوم الأمويين في الأندلس، وأحد وجوهها بعد قيامه بمراسلة الخليفة من إفريقية، واتفقا على أن يثور العلاء في الأندلس ويرفع الشعار الأسود (شعار العباسيين)، وأعطاه الخليفة تخويلاً بولاية الأندلس، بعد أن اطمأن العلاء إلى وضعه وتأييد الخليفة له، تحرك بقوات كبيرة إلى الأندلس واستقر في الجنوب الغربي من البلاد وذلك عام (146 هجري)، وأعلن الثورة ورفع الشعار الأسود فاجتمع له خلق كثير، وأيدته الفهرية واليمانية، وبعض الجنود المصريين.

أما عبد الرحمن فإنه بادر إلى حشد قواته، وزحف بجيشه وتحصن في (قرمونة)، (بين قرطبة وإشبيلية)، المنيعة، فلم يستطيع العلاء من اقتحامها بالرغم من تكرار الهجوم عليها، ثم قام عبد الرحمن بهجوم مفاجئ فدارت بين الطرفين معركة ضارية، قتل فيها العلاء ومجموعة كبيرة من قواته وأرسل عبد الرحمن رأس العلاء مع رؤوس أشهر أصحابه إلى القيروان وألقيت بالسوق سراء ثم حملت بعض تلك الرؤوس واللواء الأسود وكتاب المنصور إلى مكة، وكان المنصور حاجاً في تلك السنة، فلما رأى المنصور ذلك قال: (إنا لله، عرضنا بهذا المسكين للقتل، والحمد لله الذي جعل البحر بيننا وبين هذا الشيطان (يعني عبد الرحمن)).

وفي عام (149 هجري)،‏ أشعل سعيد اليحصبي ثورته غربي إشبيلية ثائراً لليمانية الذين قتلوا مع العلاء، واحتل إشبيلية، فقصده عبد الرحمن فضرب الحصار على سعيد ومنع وصول الإمدادات إليه وتمكن من قتله في المعركة، وتصفية العناصر التي أيدته، وبذلك انتهت بالفشل أهم محاولة لاسترداد الأندلس إلى حظيرة الدولة العباسية.

العلاقات مع أرمينية والخزر:

لم يكن التواجد العربي في إقليم أرمنية بالأمر السهل بسبب وعورة الطرق، وضيق الممرات البرية، ففي عام (132 هجري)، في خلافة أبي العباس تولي أبو جعفر (المنصور)، ولاية أرمنية، فقاد عدة حملات بنفسه واستأمن إليه جماعة كانوا في قلعة الكلاب، على أنَّ أخطر ما كانت الخلافة تواجهه هو هجمات الترك والخزر في أرمينية، ففي عام (142 هجري)،‏ هاجم الترك بمساعدة الخزر الأبواب (دربند)، فأوقعوا خسائر فادحة بالعرب والمسلمين، وكرروا هجومهم عام (145 هجري)، وقتلوا جماعة كثيرة.

وفي عام (147 هجري)، استعد الترك لهجوم جديد بقيادة استرخان الخوارزمي، فوصلت أخبار هذا الهجوم إلى الخليفة، فوجه قوات عسكرية احتلت (تفليس)، لكن الترك هاجموا القوة واستطاعوا إلحاق الهزيمة بها، وقُتِلَ قائدها حرب الرواندي وفي العام التالي وجه المنصور قوة جديدة بقيادة حميد بن قحطبة الطائي إلى أرمينية، فاضطر الترك إلى الانسحاب بعد أن علموا بها.

وقد أدرك الخليفة المنصور صعوبة السيطرة على الإقليم وضمه نهائياً إلى الدولة العربية الإسلامية، فلمّا عين يزيد السلمي والياً، شجعه على مصاهرة الخزر، حتى يؤمن شرهم، فاتصل بخاقان الخزر وخطلب ابنته خاتون، وتزوجها وبقيت عنده سنتين، وولدت له ابناً توفي وماتت هي في نفاسها، وعندما سمع الخزر بذلك جمعوا قواتهم وقصدوا يزيد من الأبواب، فلم يستطع الوقوف أمامهم لكثرتهم، فأرسل إليه الخليفة تعزيزات على عجل من الشام، ثم من العراق، فأصبح تعداد الجيش العباسي أكثر من (60) ألف مقاتل على حين كان تعداد جيش الخزر (200) ألف مقائل، فدارت معركة رهيبة تمكن الخزر من إلحاق الهزيمة بالقوات العباسية ثم انسحب الخزر بعد حصولهم على مغانم كثيرة.

لقد كانت إجراءات الخليفة المنصور سريعة، حيث ابتكر نظام الأجناد، ورتب فيه المقاتلة من أهل النجدة من الأقاليم العربية، وبنى عدة حصون، واستقر فيها المقاتلون وأجريت عليهم الرواتب، على أن أرمينية لم تتمتع بالاستقرار، ففي ولاية الحسن الطائي تمرد الصنارية (وهم صنف من السكان المحليين)، فلم يستطع الوالي كسر شوكتهم، فأمده الخليفة قوات إضافية عندها استطاع إلحاق الهزيمة بهم لكن السياسة التعسفية لابن الوالي ضد أحد البطارقة الأرمن كانت السبب في إعلانهم التمرد فجابهتهم القوات العباسية فقتل البطريق وانهزم الباقون.


شارك المقالة: