المحاور الثلاثة لمداخل إدارة المعرفة:
تناول عدد من الباحثين في الإدارة مجموعة من المداخل لدراسة إدارة المعرفة وتصميمها وتنفيذها، وهي كالآتي:
المحور الأول: مداخل دراسة إدارة المعرفة:
تم الإشارة إلى ثلاثة مداخل أساسية لدراسة إدارة المعرفة، وهي كما يلي:
- المدخل الأول يهتم بدراسة إدارة المعرفة بصفتها أنها عبارة عن رأس مال فكري، عن طريق التركيز علي الموجودات الفكرية غير الملموسة، وخصوصًا المكثفة معرفيًا والتي تحدّد القيمة السوقية للمنظمة.
- المدخل الثاني يقوم بدراسة إدارة المعرفة نفسها، ويهتم الباحثون هنا بدراسة الأساليب المتبعة لتوليد المعرفة وتخزينها والمشاركة فيها واستعمالها.
- المدخل الثالث هو مدخل اقتصاد المعرفة (Knowledge economy)، وهو المجال الذي يختص به علماء الاقتصاد ونقادهم، فيتم التركيز على الخصائص الأساسية للمعرفة التي تؤثر في قيمتها الاقتصادية. وتم الإشارة في هذا الجانب إلى خصخصة الموجودات المعرفية التي لا تنتهي مع الاستخدام بل تتزايد، ويهتم الباحثون وفق هذا المدخل بتحليل وترميز القواعد والنماذج الجديدة التي لها دور في فاعلية المنظمة وبقائها في ظل اقتصاد المعرفة.
وفي الواقع وفي فهم إدارة المعرفة نرى أنه من الصعب جدًا أن يتم الفصل بين هذه المداخل حتى في دراستها؛ لأن النظرة المتكاملة أكثر جدوى. أما ممن ناحية أخرى فقد تم الإشارة إلى مدرستين فکريتين، أو مدخلين لدراستها، وهي كما يلي:
- الأول كان يهتم بالمفهوم والذي يدرس إدارة المعرفة، من خلال وضع مفهوم للمعرفة على أنها ضمنية داخل عقول الأشخاص، ومن خلاله يتم التمييز بين المعرفة والمعلومات والبيانات كموجودات فكرية، ولا تعتمد على تقارير الصناعة كمعرفة.
- أما الثاني لا يهتم بالمفهوم، فطالما هي مفيدة فهي معرفة، وتعتمد تقارير الصناعة الصادرة عن الشركات الأخرى، ويعدها معرفة أيضًا.
فالمدخل الأول يناسب منظمات الأعمال التي تمتلك أدوات إدارة المعرفة مثل: الإنترنت، أمّا المدخل الثاني فيناسب منظمات الأعمال التي تفتقر إلى ذل .
المحور الثاني: مداخل تصميم إدارة المعرفة:
تم عرض مجموعة من المداخل لتصميم إدارة المعرفة، وهي كما يلي:
- نظام تصميم موجودات المعرفة: تم تطوير هذا المدخل بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ويهتم بتطوير الحلول لإدارة المعرفة تنطلق من خلفية هندسة المعرفة، وبموجبه فإن إدارة المعرفة تفهم كفعالية مكوّنة من جهد حلقي لثلاث فعاليات أساسية، وهي:
- المفاهيمية (Conceptualize): وتحتوي على تحديد المعرفة وتحليل نقاط القوة والضعف فيها.
- الانعكاس (Reflect): وتتضمن التحسينات وخطة التغيير.
- الفعل (Act): أي تنفيذ التغييرات ومراقبة التنفيذ.
والمآخذ التي توجّه لهذا المدخل هو أنه لا يقوم بدعم تصميم العمليات للتعامل المعرفة الضمنية، ولا يقوم بتغطية كل فعاليات إدارة المعرفة الأخرى غير المشاركة والاستخدام، لكنه يعتبر مهم لإدارة المعرفة لتوفيره تقنيات تحليل المهام المتهيكلة ضمن البناء المعرفي والطرق لتحسين المشاركة بالمعرفة وإعادة استخدامها.
- مدخل إدارة معرفة الأعمال: ويسمى أيضا مدخل (Bach, et al’s Approach)، ويهتم بربط الفعاليات لإدارة المعرفة وأهداف وعمليات الأعمال وكما يهتم بقاعدة المعرفة والأنظمة والوثائق، ومن مآخذ هذا المدخل عدم مراعاة البعد الضمني للمعرفة، ولا يهتم بتولید المعرفة الجيدة. لكنه اقترح بعض المؤشرات لمساعدة الإدارة للسيطرة على عمليات إدارة المعرفة.
- مدخل سلسلة قيمة المعرفة: يركّز على التنسيق بين عمليات الأعمال ومهام إدارة المعرفة، الذي جاءت سلسلته لقيمة المعرفة عبر ست مهام الإدارة المعرفة تحديد المعرفة اللازمة، وهي العمل على توثيق المعرفة المتواجدة، تطوير المعرفة، المشاركة بالمعرفة، تطبيق المعرفة، تقييم المعرفة.
وهذه المهام المترابطة مع المستوى الاستراتيجي (الرسالة، الرؤية، الأهداف والاستراتيجية). وهذا المدخل لا يقدّم طريقة مثلى لكيفية خلق تكامل لفعاليات إدارة المعرفة أعلاه.
- مدخل كتلة البناء: يصف هذا المدخل ثمانية أبعاد بنائية لإدارة المعرفة، وهي تحديد الغايات من المعرفة، تشخيص المعرفة، اكتساب المعرفة، تحديث المعرفة، المشاركة بالمعرفة، استعمال المعرفة والاحتفاظ بالمعرفة وتقييم المعرفة، حيث إن فكرة كتل البناء لإدارة المعرفة قدّمت أمثلة في كيفية توليد المعرفة وانتشارها، فإنه يؤكد على الربط بين كل البناء هذه مع إعادة تصميم عمليات الأعمال هذا المدخل لم يقدّم طريقة لتكامل كتل البناء المفترضة.
- مدخل إدارة المعرفة المعتمد على النموذج: في هذا المدخل تم إضافة منظور جديد إلى نمذجة عمليات الأعمال الموجودة وخاصة العمليات المكثفة معرفيًا، وهو محدّد بوصفه للمعرفة اللازمة والمستخدمة، فضلاً عن تولید وتوثيق المعرفة، ويهدف إلى تصنيف المعرفة وتكوين خريطة المعرفة ليحدد من يعرف داخل المنظمة، معتمدًا على رموز صورية بسيطة الفهم لتقديم المساعدة لمستخدمين. وهذا المدخل يقدّم نموذج مرجعي لإدارة المعرفة يتكوّن من هدف أنشطة وعناصر النظام ونموذج العملية ونموذج التنفيذ.
المحور الثالث: مداخل تنفيذ إدارة المعرفة:
- أولاً: وفي هذا المدخل تم الإشارة من قِبل علماء الإدارة إلى مدخلين، وهما:
- مدخل الجيل الأول (First generation approach): بموجبه تهتم المنظمات بالجوانب المالية والاقتصاد في النفقات، ويدعو الجيل الأول للبداية الصغيرة لتحقيق الأرباح السريعة قبل أن يتم البدء بالمعرفة التي تكون مندمجة بالأعمال الاستراتيجية للمنظمة. وهذا المدخل يهتم بالجوانب البسيطة، ولم يقوم بتقديم نماذج للتعلم والإبداع، لكنه اهتم نسبيًا في الحصول على المعرفة وترميزها.
- مدخل الجيل الثاني (Second generation approach): يفترض هذا المدخل أنه عندما تنضج إدارة المعرفة في المنظمة ينتج جيل ثاني له سمات واضحة، مثل المقدرة على التمييز بين ناحيتي العرض والطلب لإدارة المعرفة، ففي جانب العرض يكون التركيز فقط على توزيع ونشر المعرفة المتواجدة، أما في جانب الطلب فيهتم على تحقيق حاجة المنظمة إلى معرفة جديدة، لذا تتجه نحو التعلم والإبداع.
- ثانيًا: المدخل التقني (Technological approach): حيث يتجه روّاد هذا المدخل إلى تأسيس مركز تطبيقي لإدارة المعرفة، وبموجب هذا المدخل تمتد تطبيقات هذا المدخل حتى تشمل الذكاء الاصطناعي، ويهتم بدور تقنية المعلومات كمسوّق لإدارة المعرفة باستعمال تقنيات تبسط نشر المعرفة وتطبيقها. ونرى قصور هذا المدخل لتصويره إدارة المعرفة كتقنية في حين إنها ثقافة وعملية، ومن الممكن أن يتم تنفيذها حتى بدون توافر التقنية.
- ثالثًا: مدخل مسؤول أو ضابط المعرفة الرئيس: ابتكر هذا المدخل من قِبل منظمات الأعمال المتقدمة، مثل (General Electric) و (Ernst & young) و (Boston Bank) للدخول إلى برنامج إدارة المعرفة؛ لتتم مساعدتها في إدارة موجوداتها المتميزة المتمثلة في رأس المال الفكري، ويدعو هذا المدخل المنظمات الساعية لإدارة المعرفة إلى استحداث منصب (CK0)، ويتطلب منها بتوفير بعض البنى التحتية الفنية والتنظيمية والتركيز على الأنشطة الحاسمة، ويركّز على الأدوار الثلاثة التي يمكن أن يؤديها (CK0)، وهي:
- مسؤولية تطوير برامج إدارة المعرفة والعمل على تطبيقها.
- تطوير الاستراتيجية التي تعمل على توجيه طريقة مسك ومعالجة المنظمة لموجوداتها الفكرية.
- تبني ثقافة المنظمة التي تهتم بالتعلم الدائم.
أما شروط لنجاح مدخل (CRO) في أية منظمة هي كالآتي: النظر إلى التعلم بوصفه حاسم لاستراتيجية عملها، البيئة التي توفر وتعزز الذكاء الجمعي، الالتزام بتضمين وتكامل التعلم في كل عمليات العمل، فهذا المدخل يعتمد وجهة نظر الإدارة المعرفة تميز بين المعرفة الضمنية والمعرفة الظاهرة.
- رابعًا: المدخل الاجتماعي-الفني: يركّز هذا المدخل على الترابط المتبادل بين الوظائف الاجتماعية والوظائف الفنية للمنظمة، وعلاقة المنظمة بشكل عام بالبيئة، على أن المنظمات تتألف من الأفراد الذين يقومون بإنتاج السلع والخدمات باستخدام تقنيات تؤثر على العمليات، وعلى ملاءمة التقنيات ومهام الأفراد الذين يقومون بها، يوجد أربعة عوامل تجيز هذا المدخل، وهي كالآتي:
- أولاً: تأكيد على تداخل العوامل الاجتماعية والعوامل الفنية على الرغم من الاتجاه المتزايد للتأكيد على دور تقنية المعلومات.
- ثانيا: تأكيد على هيكلة العمل وتفاعل الموظفين.
- ثالثا: تأكيد على التفاعل بين الأنظمة الاجتماعية والأنظمة الفنية ودوره في إشباع حاجات الزبائن وخلق المركز التنافسي للمنظمة.
- رابعًا: يوفر المجال التحليلي المناسب لتحليل العوامل الفنية والعوامل الاجتماعية بأسلوب متناسق.
فإن أهم ما يميز هذا المدخل هو التأكيد على الإبداع وبناء معرفة جديدة، وأن مداخل التركيز الاجتماعية لإدارة المعرفة تتكامل في الغالب مع الاستراتيجيات العريضة للمنظمة وتطبيقاتها.
مداخل أخرى لإدارة المعرفة:
وقام علماء الإدارة بتصنيف مداخل أخرى لإدارة المعرفة، وهي كما يلي:
- الأول: مدخل الأشخاص إلى الوثائق: الذي يركز على اندماج الأفراد مع الوثائق لاحتواء المعرفة الظاهرة التي لدينا القدرة على ترميزها، وتستثمر المنظمات وفق هذا المدخل في توليد المعرفة وتطويرها على شكل وثائق، وتحقّق الربح غير المعتادة بإعادة استخدامها أكثر من مرة، والهدف من التوثيق هو وضع المعرفة بشكل يجعلها في متناول الموظفين الذين يحتاجون إليها، ومن آليات هذا المدخل المكتبة الإلكترونية و الوثائق المطبوعة.
- الثاني: مدخل الأشخاص إلى الأشخاص: بموجب هذا المدخل تقوم المنظمات برفع معرفة الموظفين فيها، ورفع مستوى الخبرات عن طريق تبسيط المقابلات والحوار بشكل مباشر مع ذوات الخبرة، لذلك يكون اهتمام هذه المنظمات موجهًا لتحسين شبكات الاتصال التي تربط الأفراد مع بعضهم، وآليات إدارة المعرفة وفق هذا المدخل في المحاورة والتعلم عبر الماضي و القصص، وهو مناسب لإدارة المعرفة الضمنية.
وترى أهمية تكامل كل المدخلين؛ لأنه من الصعب إيجاد منظمة تستخدم أحد المدخلين دون الآخر، وإن كانت هناك أفضلية المدخل على الآخر تبعًا لطبيعة أعمال المنظمة، فإن كانت لتقديم الخدمة الاستشارية فسوف تعتمد على المدخل الثاني وإن كانت صناعية فتعتمد بالدرجة الأولى على المدخل الأول.