قصة اكتشاف الشاي

اقرأ في هذا المقال


يعود تاريخ الشاي إلى الصين القديمة، منذ ما يقرب من 5000 عام، وفقًا للأسطورة في عام 2732 قبل الميلاد، اكتشف الإمبراطور “شين نونج” الشاي عندما انفجرت أوراق من شجرة برية في وعاء الماء المغلي، كان مهتمًا على الفور بالرائحة اللطيفة للمشروب الناتج، تقول الأسطورة إنّ الإمبراطور وصف إحساسًا دافئًا وهو يشرب المشروب المثير للاهتمام، كما لو كان السائل يفحص كل جزء من جسده، أطلق (Shen Nung) على المشروب اسم “ch’a”، وهو الحرف الصيني الذي يعني التحقق أو التحقيق، أيضًا “تشا” ترمز إلى الطريقة التي جعل فيها الشاي الجنس البشري في حالة توازن مع الطبيعة للثقافة الصينية.

ما هي قصة اكتشاف الشاي؟


تم اكتشاف الشاي في الصين في القرن الرابع حتى القرن الثامن، لم تنحصر استخدامات الشاي لفوائده الطبية فقط، بل بلغت ميزة الشاي بطعمه اللذيذ ومزاياه المتعددة، انتشرت مزارع الشاي في جميع أنحاء الصين، وأصبح تجار الشاي أغنياء، وأصبحت أواني الشاي الأنيقة باهظة الثمن راية لثروة ومكانة أصحابها، سيطرت الإمبراطورية الصينية بشدة على تحضير المحصول وزراعته، حتى أنّه تم تحديد أنّ الشابات فقط ربما بسبب نقاوتهن كان عليهن التعامل مع أوراق الشاي، هؤلاء العاملات الشابات لا يأكلن الثوم أو البصل أو التوابل القوية في حال كانت الرائحة على أطراف أصابعهن قد تلوث أوراق الشاي الثمينة.

تم اختراع الشاي الأسود حتى القرن السابع عشر، أصبح الشاي الصيني عبارة عن شاي أخضر، ومع انتشار التجارة الخارجية، ابتكر المزارعون الصينيون طريقةً تمكنهم من الحفاظ على أوراق الشاي من خلال عملية تخمير خاصة، حافظ الشاي الأسود الناتج على نكهته ورائحته لفترة أطول من الشاي الأخضر الأكثر حساسية وكان مجهزًا بشكل أفضل لرحلات التصدير إلى البلدان الأخرى، ظل الشاي جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الصينية لآلاف السنين؛ حيثُ كان شائعً قبل أن يبني المصريون الأهرامات العظيمة وتم تداوله مع الدول الآسيوية حتى قبل أن تترك أوروبا العصور المظلمة.

تطور الشاي:

زادت شعبية وأهمية الشاي في الصين في العصر الحديث وأصبح رمزًا لتاريخ البلاد ودينها وثقافتها، اليوم يتنافس الطلاب لحضور معهد “شاي شنغهاي” الانتقائي والاستثنائي للغاية، حيثُ يُطلب من الطلاب ذوي المستوى الأعلى العزف على آلة (Guzheng) الوترية التقليدية، وإجراء مراسم تقديم الشاي الخالية من العيوب، والتحدث بلغة أجنبية للترفيه عن الضيوف الأجانب، والتمييز بين حوالي 1000 نوع مختلف من الشاي الصيني، حتى الآن أقل من 75 طالبًا حصل على شهادة فن الشاي!!، هناك أيضًا متنزه كامل يسمّى متحف الشاي (Tenfu)، ما يعادل الصين ديزني لاند، حيثُ يكرم تقاليد شرب الشاي الصينية.

قدم الصينيون الشاي إلى التبت (هي منطقة ودولة سابقة في آسيا الوسطى وموطن الشعب التبتي)، في فجر القرن التاسع، جعل مناخ التبت الوعرة والتضاريس الصخرية بأنّه من الصعب زراعة نباتاتهم، لذلك كان لا بد من استيراد الشاي من الصين عبر قافلة الياك، استغرقت الرحلة الطويلة والمرهقة إلى التبت عن طريق الياك ما يقرب من عام ولم تتعرض للتهديد فقط بسبب التضاريس الدرامية لبعض أعلى الجبال في العالم، أصبح الشاي شائعًا جدًا في التبت والمناطق المحيطة بها لدرجة أنّه استخدم كشكل من أشكال العملة، كان الشاي المضغوط شكلًا شائعًا للدفع مقابل أي شيء تقريبًا، وكان يتم دفع أجور العمال والخدم بشكل روتيني بهذه الطريقة.

الشاي التبتي التقليدي، يتم صنع الشاي التبتي عن طريق غلي الورقة لمدة نصف ساعة تقريبًا قبل تمرير السائل عبر مصفاة مصنوعة من شعر الخيل (أحيانًا مصنوعة من البلاستيك) في وعاء خشبي طويل تقليديًا، تضاف الزبدة والملح إلى الشاي ويتم خلطها حتى تصبح مستحلب، تساعد هذه الإضافات على تعويض الدهون والملح التي فقدها أولئك الذين يعيشون في المناطق المرتفعة من جبال الهيمالايا، لا يزال الشاي عنصرًا أساسيًا في التبت، حيث يستهلك الفرد ما يصل إلى 40 كوبًا أو أكثر يوميًا، إنّ آداب التبت تمنع أي ضيف أن يذهب بدون الشاي.

نشأة الشاي في الحضارات المختلفة:

تاريخ الشاي الياباني:

في أوائل القرن التاسع، تعرّف الزائرون اليابانيون للصين على قيم الشاي وتقاليده، يعود الفضل إلى الراهب البوذي دينغيو دايشي في جلب بذور الشاي الصينية إلى اليابان عندما عاد من دراسته في الخارج، أصبح الشاي جزءًا لا يتجزأ من حياة الدير الياباني؛ استخدم الرهبان الشاي للمساعدة في البقاء متيقظًا أثناء جلسات التأمل، بحلول أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، اكتسب الشاي شعبية في جميع أنحاء المجتمع الياباني، في أواخر القرن الخامس عشر تحت تأثير الفلسفات اليابانية لبوذية الزن، يتم عمل حفل أهمية قصوى لاحترام فعل صنع الشاي وشربه، كان حفل الشاي مهمًا جدًا لدرجة أنّه تم بناء غرف شاي خاصة في حدائق الفناء الخلفي.

أصبح الشاي المنقوع شائعًا مرة أخرى في اليابان في أواخر ثلاثينيات القرن التاسع عشر عندما اكتشف معالجات الشاي التجريبية أنّ تبخير الأوراق لوقف التخمير أنتج شايًا أكثر خضرة ولذيذًا يشبه إلى حد كبير النكهات الطازجة والفعّالة المميزة، الشاي في اليابان الحديثة اليوم، يتم غرس الشاي بالكامل وتقديم الشاي مع كل وجبة، ويستخدم للترحيب بكل ضيف، ويوجد الشاي المعبأ في آلات البيع والمحلات التجارية التي تبيع الآيس كريم بنكهة “الشاي الأخضر”، بسبب مساحة الأرض المحدودة، تم نحت المدرجات المعقدة من سفوح الجبال لزراعة الشاي في اليابان.

تاريخ الشاي في روسيا:

في عام 1618م، قدم الصينيون هدية من الشاي إلى القيصر الروسي، كان الجميع فضوليين بشأن المشروبات الجديدة وسرعان ما اكتسب الشاي شعبية عالية، ظهر طريق تجارة قوافل الجمال لنقل الشاي إلى البلاد، حيثُ قطعت هذه القافلة مسافة 11000 ميل واستغرقت ما يقرب من سنة ونصف للسفر على ظهر الجمال، لإرضاء الروس المتعطشين للشاي، دخل ما يقرب من 6000 جمل، يحمل كل منها 600 رطل من الشاي في عام 1903م تم استبدال قافلة الجمال بسكة حديد عابرة لسيبيريا، مما قلص وقت النقل من عام ونصف إلى ما يزيد قليلاً عن أسبوع.

تاريخ الشاي في أوروبا:

إنّ أول من استورد الشاي البرتغالي والهولندي إلى أوروبا عام 1610م، كان رامبرانت في الرابعة من عمره فقط! لم تبدأ رقصة إنجلترا مع الشاي حتى عام 1662م، عندما تزوج الملك تشارلز الثاني من الأميرة البرتغالية كاثرين من براغانزا، لطالما كانت ملكة بريطانيا الجديدة تحب الشاي بشكل كبير، حيثُ بدأت في تقديم الشاي لأصدقائها الأرستقراطيين في كورت، وسرعان ما انتشرت كلمة المشروب الملكي الغريب، حيثُ كان الشاي كرمز للمكانة كرفاهية مستوردة، وكان الأثرياء فقط هم من يستطيعون شرب الشاي، إنّ أقل رطل متاح من الشاي كلفة يكلف العامل العادي أجر شهر تقريبًا.

إنّ القدرة على تقديم الشاي وشربه بأناقة ومهارة تدل على المكانة الاجتماعية وتدل على حسن التربية والفكر، تحقيقًا لهذه الغاية، كان لدى العديد من العائلات الإنجليزية والهولندية الثرية في القرن الثامن عشر لوحات صممت للعائلة العائلة وهم يتناولون الشاي، إنّ مصطلح “شاي بعد الظهر” يعود الفضل في شاي ما بعد الظهيرة إلى آنا، دوقة بيدفورد السابعة، التي اشتكت من الفجوة الطويلة بين وجبة إفطار خفيفة ووجبة مسائية متأخرة لتهدئة شغفها، نصحت خادمتها بإحضار قدر من الشاي والمرطبات الخفيفة إلى غرفتها، سرعان ما بدأت آنا في دعوة الأصدقاء للانضمام إليها لتناول شاي بعد الظهر، ثم انتشر هذا المفهوم بكثرة.

تاريخ الشاي في أمريكا الشمالية:

ليس من المستغرب أنّ أمريكا الشمالية المبكرة، التي استعمرتها أوروبا كانت قارة تشرب الشاي،عبرت تقاليد وقواعد السلوك الأوروبية نفسها المحيط الأطلسي، وكانت المقاهي وإكسسوارات الشاي الأنيقة المصنوعة من الفضة والخزف شائعة في المدن الجديدة في نيويورك وبوسطن وفيلادلفيا، بحلول النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أصبح الشاي أكبر سلعة تصدرها بريطانيا وأكثرها قيمة، أمرت الحكومة البريطانية بفرض “ضريبة شاي” محددة للاستفادة من شعبيتها في أمريكا، ساد الجشع ووصل معدل الضريبة تدريجياً إلى 119٪، أي أكثر من ضعف التكلفة الأولية للشاي مع دخوله سوق الجملة الأمريكية.

رفضت الموانئ الأمريكية السماح بدخول أي بضائع خاضعة للرسوم الجمركية إلى الشاطئ، أدّى ذلك إلى إغلاق الحكومة البريطانية لميناء بوسطن، ووصول القوات البريطانية إلى الأراضي الأمريكية، كانت سلسلة الأحداث هذه بمثابة بداية حرب الاستقلال الأمريكية، وتفضيل أمريكا للقهوة حيثُ أصبحت مقاطعة الشاي عملاً من الأعمال الوطنية، لا تزال الولايات المتحدة مسؤولة عن بعض التغييرات الرئيسية في صناعة الشاي، ففي معرض سانت لويس التجاري العالمي لعام 1904م، نظمت مجموعة من منتجي الشاي جناحًا خاصًا للشاي وقدموا أكوابًا من الشاي الساخن لجميع الحاضرين.

اصطف العملاء لتجربة الاختراع الجديد الشاي المثلج، اليوم تستهلك الولايات المتحدة ما يقرب من 50 مليار كوب من الشاي المثلج في عام واحد، وهو ما يمثل أكثر من 80٪، من إجمالي الشاي المستهلك في الولايات المتحدة، تم تطوير أكياس الشاي أيضًا في الولايات المتحدة، وإنّ كان ذلك عن طريق الصدفة، في عام 1908م أرسل تاجر شاي من نيويورك عينات من منتجه مختومة في أكياس حرير إلى المطاعم والمقاهي في جميع أنحاء المدينة، بعد مرور بعض الوقت اكتشف أنّ المطاعم كانت تختمر الشاي مباشرة في أكياس الحرير لتوفير الوقت، واشتعلت طريقة التخمير هذه على الفور.


شارك المقالة: