نظرية المعرفة التطورية في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


تُعبّر نظرية المعرفة التطورية في علم النفس عن تلك النظرية التي تكون مَحكومة بالمفاهيم التطورية، والتي تُجادِل بأن نمو المعرفة يتبع نمط التطور في علم النفس البيولوجي أو علم الأحياء، حيث تعتبر هذه النظرية نهج واقعي طبيعي لا تَقبل التوقف بل الاستمرار والتقدّم.

نظرية المعرفة التطورية في علم النفس

تعتبر نظرية المعرفة التطورية في علم النفس بأنها نهج طبيعي لنماذج المعرفة، والتي تؤكد على أهمية الاختيار الطبيعي في سلوكين أساسيين، حيث انه في السلوك الأول يكون الاختيار هو الأساس الذي يُساهم في استمرارية الصدق والثقة بالإدراك الحسي وآلياتنا المعرفية، فضلاً عن الترابط بين تلك الآليات والعالم، في حين أنه في الدور الثاني يتمّ تفسير التجربة والخطأ وتطور النظريات العلمية على أنها عمليات اختيار.

تعود جذور نظرية المعرفة التطورية في علم النفس إلى أفلاطون والمُتشكّكين القدماء من علماء النفس، حيث ينبثق أحد الخيوط من اهتمام أفلاطون بمشكلة التمييز بين المعرفة والثقة الحقيقية، وكان حلّه هو اقتراح أن المعرفة تختلف عن الثقة الحقيقية بالتبرير، ومنها اشتكى المُشكّكين القدماء من علماء النفس من أن جميع المحاولات لتقديم مثل هذا التبرير كانت مُعيبة بشكل مَيؤوس منه.

تُظهِر نظرية المعرفة التطورية في علم النفس خيط آخر من محاولة توفير إعادة بناء للمعرفة البشرية، وتُوضّح كيف تتلاءم قِطع المعرفة البشرية معًا في هيكل من الدعم المتبادل، حيث حصل هذا المشروع على طابعه الحديث من العالم رينيه ديكارت ويأتي في نسختين تجريبية وعقلانية، والتي بدورها يمكن أن تُعطي إما تطورًا تأسيسيًا أو متماسكًا، بالتالي تمَّ نسج الخيوط معًا بواسطة موضوع مشترك.

وتعتبر نظرية المعرفة التطورية في علم النفس مَبنيّة على افتراض أن الأسئلة المعرفية يجب الإجابة عليها بطرق لا تَفترِض مُسبقًا أي معرفة معينة، والحِجَّة هي أن أي استئناف من هذا القبيل سيكون من الواضح أنه استجداء، وقد يتم تسمية مثل هذه الأساليب بشكل مناسب باسم المتعالي.

واقترحت الثورة الداروينية في القرن التاسع عشر مُقارَبة بديلة لنظرية المعرفة التطورية في علم النفس، وهي أن قدراتهم على المعرفة والإيمان والثقة هي أيضًا نتاج نمو تَطوّري طبيعي، وعلى هذا النحو هناك سبب للشك في أن المعرفة كنشاط طبيعي يمكن ويجب معالجتها وتحليلها وفقًا لخطوط تتوافق مع وضعها، أي من خلال طرق العلوم الطبيعية، ووفقًا لوجهة النظر هذه لا يوجد تقسيم حاد للعمل بين العلم ونظرية المعرفة.

وعلى وجه الخصوص فإن نتائج علوم معينة مثل علم الأحياء التطوري وعلم النفس ليست مَحكومة مُسبقًا ولا علاقة لها بحل المشاكل المعرفية، حيث تُسمّى هذه الأساليب بشكل عام نظرية المعرفة الطبيعية سواء كانت مدفوعة مباشرة بالاعتبارات التطورية أم لا، وتُسمّى تلك التي تُحرّكها الاعتبارات التطورية والتي تُجادِل بأن نمو المعرفة يتبع نمط التطوّر في علم الأحياء بنظرية المعرفة التطورية.

ونظرية المعرفة التطورية في علم النفس هي محاولة لمعالجة أسئلة في نظرية المعرفة العامة من وجهة نظر تنموية، حيث تتضمن نظرية المعرفة التطوّرية في علم النفس جزئيًا نشر النماذج والاستعارات المُستمدّة من علم الأحياء التطوري.

وذلك في محاولة لتوصيف وحل المشكلات الناشئة في نظرية المعرفة والتغيير المفاهيمي، ومع تطور التخصصات المُشتركة يتم تداول النماذج ذهابًا وإيابًا، وبالتالي فإن نظرية المعرفة التطورية تتضمن أيضًا محاولات لفهم كيفية تَقدّم التطور البيولوجي، وذلك من خلال تفسيره من خلال نماذج مُستمدّة من فهمنا للتغيير المفاهيمي وتطوير النظريات.

تطور الآليات المعرفية مقابل نظرية المعرفة التطورية

هناك برنامجان مُترابطان ولكنهما مُتميزان يُطلق عليهما اسم نظرية المعرفة التطورية، حيث يُركّز المرء على تطوير الآليات المعرفية عند الحيوانات والبشر، ويتضمن هذا امتدادًا مباشرًا للنظرية البيولوجية للتطور إلى تلك الجوانب أو سمات الحيوانات التي تُمثّل الركائز البيولوجية للنشاط المعرفي، على سبيل المثال أدمغتها وأنظمتها الحسية وأنظمتها الحركية وما إلى ذلك.

ويحاول البرنامج الآخر في نظرية المعرفة التطورية في علم النفس تفسير تطور الأفكار والنظريات العلمية والمعايير المعرفية والثقافة بشكل عام، وذلك باستخدام النماذج والاستعارات المُستمدّة من علم النفس التطوري، ومنها تعود جذور كلا البرنامجين إلى علم النفس البيولوجي والفلسفة الاجتماعية في القرن التاسع عشر، حيث كان هناك عدد من المحاولات في السنوات الفاصلة لتطوير البرامج بالتفصيل.

وتمّ تسمية البرنامجين بالآليات المعرفية مُقابل نظرية المعرفة التطورية في علم النفس، فالآليات المعرفية هو عنوان البرنامج الذي يحاول تقديم حساب تطوري لتطور الهياكل المعرفية، بينما نظرية المعرفة التطورية في علم النفس هو عنوان البرنامج الذي يحاول تحليل تطوّر المعرفة البشرية والمعايير المعرفية من خلال مناشدة الاعتبارات البيولوجية ذات الصلة.

حيث تتضمن بعض هذه المحاولات تحليل نمو المعرفة البشرية من حيث نماذج الاختيار والاستعارات، ويجادل البعض من أجل الأساس البيولوجي للمعايير والمنهجيات المعرفية لكنهم يتجنبون نماذج الاختيار لنمو المعرفة البشرية على هذا النحو.

إن برامج الآليات المعرفية ونظرية المعرفة التطورية في علم النفس مترابطة ولكنّها مُتميزة، حيث لا يُقدّم تفسير اختيار الآليات المعرفية الناجح لتطور هياكل الدماغ المعرفية أي ضمان في حدّ ذاته، وذلك لاستقراء مثل هذه النماذج لفهم تطور أنظمة المعرفة البشرية.

وبالمثل فإن اعتماد حساب اختيار برنامج نظرية المعرفة التطورية في علم النفس لكيفية نمو أنظمة المعرفة البشرية لا يضمن في حدّ ذاته استنتاج أن هياكل الدماغ المحددة أو العامة، والمشاركة في الإدراك هي نتيجة الانتقاء الطبيعي للقدرات المعرفية المُعزّزة.

المنهجيات الوصفية في نظرية المعرفة التطورية

يتعلق التمييز بالمقاربات الوصفية مقابل المنهجيات الوصفية لنظرية المعرفة ونمو المعرفة البشرية، حيث انه تقليديًا تمَّ تفسير نظرية المعرفة على أنها مشروع معياري يهدف إلى التوضيح والدفاع عن مفاهيم المعرفة والأسس ومبررات الإثبات والتبرير، ومنها جادل الكثير بأنه لا برامج الآليات المعرفية ولا برامج نظرية المعرفة التطورية في علم النفس لها أي علاقة على الإطلاق بنظرية المعرفة بشكل صحيح أي تقليديًا.

وإن أساس هذا الخلاف هو أن نظرية المعرفة مفهومة بشكل صحيح وهي نظام معياري، في حين أن برامج الآليات المعرفية ونظرية المعرفة التطورية في علم النفس مَعنيّة ببناء النماذج السببية والجينية، أي الوصفية لتطور القدرات المعرفية أو أنظمة المعرفة، وبالتالي لا توجد مثل هذه النماذج كما يُزعَم، ويمكن أن يكون لها أي شيء مهم للمساهمة في نظرية المعرفة المعيارية.

وهناك بعض التكوينات مُحتمَلة للعلاقة بين نظرية المعرفة الوصفية والتقليدية، تتمثل بأنه يمكن تفسير نظرية المعرفة الوصفية على أنها منافسة لنظريات المعرفة المعيارية التقليدية، فوفقًا لوجهة النظر هذه يحاول كلاهما معالجة نفس الاهتمامات وتقديم حلول متنافسة، حيث يعتبر الاعتراض القياسي على مثل هذه الأساليب هو أن الحسابات الوصفية ليست كافية لإنصاف العناصر الإلزامية للمنهجيات المعيارية.


شارك المقالة: