مفهوم الانحدار الفكري في علم النفس التنموي

اقرأ في هذا المقال


كلما تقدم الفرد في العمر فإن القدرات المعرفية والمهارات الشخصية الذهنية التي يمتلكها تبدأ بالانخفاض، بحيث يكون كل من التفكير والذاكرة في مراحل مضطربة، مما يؤدي لأداء وإنجازات أقل وتدهور في الصحة النفسية والعقلية وهذا ما يسمى بالانحدار الفكري أو انحدار الشيخوخة.

مفهوم الانحدار الفكري في علم النفس التنموي

يعتقد العديد من البالغين أن مهارات التفكير والذاكرة لديهم تزداد فقرًا أو ستصبح كذلك مع تقدمهم في السن، كثيرًا ما يذكر كبار السن أن ذاكرتهم ليست جيدة كما كانت من قبل، وقد يتجنب البعض المشاركة في تعليم الكبار أو التدريب في مكان العمل لأنهم يعتقدون أنه لا يمكن أن يتم تعليم شخص عجوز حيلًا جديدة أو مهارات جديدة، بينما تُظهر الأدلة العلمية أن بعض المهارات الفكرية قد تتراجع مع تقدم العمر، فإن هذه الانخفاضات ليست حتمية أو عالمية وليست عميقة كما توحي المعتقدات الشائعة.

لسنوات عديدة اعتقد علماء النفس المعرفيين الذين يدرسون الأداء الفكري أن المهارات المعرفية تبدأ في التدهور في منتصف مرحلة البلوغ وتنخفض بشكل ملحوظ في سن الشيخوخة، خلال الحرب العالمية الأولى بدأ الأفراد في اختبار القدرات المعرفية والفكرية التي يجب أن تتوجد لديهم لتحديد أنواع العمل الذي يناسبهم، ومنها تم إثبات أن القدرات المعرفية والذهنية تبلغ ذروتها في بداية مرحلة البلوغ ثم تنخفض بشكل منهجي مع العمر ونوع المهارة التي يتم قياسها، وأظهرت القدرات اللفظية أقل انخفاض وتعرضت المهارات العددية والاستدلالية لأكبر الخسائر.

استندت نتائج دراسات الشيخوخة الفكرية المبكرة إلى عينات مقطعية لأفراد من مختلف الأعمار، مثل 20 مقابل 40 مقابل والبالغين 60 عامًا، حيث لا تُظهر مثل هذه الدراسات كيف يتغير الذكاء داخل الأفراد بمرور الوقت حيث ترتبط التغيرات العمرية بالاختلافات العمرية، مما يعطي صورة مضللة عن التدهور الفكري؛ نظرًا لأن كبار السن عادةً ما يكون لديهم تعليم أقل، ولا يتم ممارستهم جيدًا في إجراء الاختبارات مقارنةً بالبالغين الأصغر سنًا، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا أقل ذكاءً.

عندما أصبحت البيانات الطولية متاحة في علم النفس التنموي بدأت تظهر صورة مختلفة للتغييرات الفكرية الانحدار الفكري حيث تتبع الدراسات الطولية الأفراد على مدى فترة طويلة من الزمن لعدة سنوات أو عقود، وتقيس قدراتهم الفكرية كل بضع سنوات، على سبيل المثال أعادت إحدى الدراسات اختبار رجال يبلغون من العمر 50 عامًا خضعوا لاختبار ألفا خلال الحرب العالمية الأولى.

تم العثور على هؤلاء الرجال أن لديهم درجات ذكاء أعلى، وفي المتوسط مما كانت عليه عندما كانوا في سن التاسعة عشرة، حيث أظهرت المتابعة الثانية أنهم حافظوا على هذه القدرات في الستينيات من العمر، ولكن مثل التصميمات المقطعية فإن الدراسات الطولية لها حدود، والمشكلة الأساسية هي أن التغييرات الفردية مرتبطة بوقت اختلافات القياس، يمر الوقت من قياس إلى آخر والأحداث التي تحدث خلال هذه الفترة يمكن أن يكون لها تأثير على أداء الأفراد.

لمواجهة المشاكل مع هاتين المقاربتين لدراسة الشيخوخة الفكرية أو الانحدار الفكري، أجرى وارنر شاي، من جامعة ولاية بنسلفانيا دراسة طموحة، وله دراسة طولية على مدى خمسة عقود، حصل على درجات اختبار الذكاء باستخدام اختبار القدرات العقلية الأساسية، على مقطع عرضي للبالغين في عام معين بدءًا من عام 1956، ويتم إعادة اختبار هؤلاء الأشخاص كل سبع سنوات.

تأثير الانحدار الفكري في علم النفس التنموي

في كل وقت اختبار نفسي تنموي يتم اختيار عينة جديدة من المشاركين واختبارها ومتابعتها بمرور الوقت، وهكذا يجمع بحث وارنر شاي بين طرق المقطع العرضي والطولي، حيث وجد وارنر شاي أن معظم القدرات المعرفية والفكرية تظل مستقرة أو حتى تنمو جيدًا حتى الخمسينيات والستينيات، ويبدأ التدهور والانحدار الفكري في بعض القدرات في الستينيات، وبحلول السبعينيات تظهر خسائر كبيرة لمعظم المهارات الفكرية، ومع ذلك هناك تأثير ضئيل على الأداء الإدراكي اليومي.

بالتالي فإن الانحدار الفكري أو الشيخوخة الفكرية أكثر تعقيدًا مما كان يعتقد في الأصل، حيث لوحظت بعض الفروق بين الجنسين في أداء اختبار الذكاء، ومنها تنخفض درجات اختبار النساء في وقت سابق للمجالات الفكرية المحددة بيولوجيًا، بينما تنخفض درجات الرجال في وقت سابق للمجالات المحددة ثقافيًا، كما أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية ومشاكل صحية أخرى هم الأكثر عرضة للمعاناة من فقدان الإدراك.

أظهرت الدراسات أن كبار السن يمكنهم الاستفادة من التدريب المصمم لتحسين الأداء الفكري، ويرى العديد من الخبراء أن البقاء نشيطًا وصحيًا هو مفتاح الحيوية الفكرية في الشيخوخة.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: