نشأة وتطور إدارة المعرفة:
نشأة وتطور إدارة المعرفة في الحضارات القديمة:
لكن الطابع الغالب على المعرفة في العصور القديمة لم يخرج عن أنه خبرات متوارثة ومقترنة في ناحية الإلهام، ولم ينقل لنا التاريخ إشارات عن إخضاع المعرفة للتجربة والبرهان، لذا لم يكن هناك أي محاولة من هذه الحضارات القيام بوضع حدود للمعرفة المتراكمة لديها بنظريات علمية، وبُني الكثير من هذا التراكم المعرفي على القصص والأساطير؛ الأمر الذي يسمح أن نسمي المعرفة في هذه الحضارات بالمعرفة الأسطورية، وقد عدّت الأسطورة صورة من صور الفكر البدائي حينما كانت مسطورة في الأذهان.
لكن المعرفة لدى الحضارة البابلية كانت مقترنه بالكهنة والسحر والطب والعرافة والفلسفة، فانتقلت المعرفة على أيديهم إلى ما يُطلق عليه بالمعرفة الفلسفية التي انصرفت إلى معرفة الأشياء والحوادث والموضوعات ومعرفة كيفية فعل الأشياء، وبهذه الفترة كانت المعرفة شيء موجود، وما على العقل الإنساني إلا أن يتأملها كما هي.
استُخدمت المعرفة الفلسفية في بعض الاستخدامات العلمية، لكنها لم تتميز بالتحليل العقلي ولم تؤطر نظريًا إلا عند الحضارة اليونانية التي قامت بصياغة مفهوم المعرفة النظرية التي تميّزت بالقدرات التحليلية وتمكّنوا من القيام بتدوينها وهذا ما قام بتمييز الحضارة اليونانية عن الحضارة البابليّة والحضارة الفرعونية الذين قاموا باستخدام المعارف في بناء شواخص خالدة عدّت من عجائب الدنيا السبع.
لكنّهم لم يقوموا بتدوين هذه المعارف بنظريات يمكن العمل على تخزينها والعودة لها كما فعل اليونانيون، الذين قاموا بإطلاق على ما كان يُسمّى فلسفة في الحضارات القديمة (معرفة أو حُبًا للحكمة)، وبذلك انتقلت المعرفة في الحضارة اليونانيّة من المعرفة الفلسفية إلى المعرفة النظرية.
نشأة وتطور إدارة المعرفة في العصور الإسلامية:
في العصور الإسلامية الأولى ونتيجة لحث الإسلام على طلب العلم، حيث ورد ذلك في أول أوامر الله تعالى في السورة الأولى من القرآن الكريم التي نزلت على نبينا وسيدنا محمد صلَّ الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى: (واقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم یعلم) سورة العلق، وفي الحديث النبوي الشريف، قال رسول الله: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”، و “زكاة العلم إبلاغه”.
وقد رجّحت كفة العالم الإسلامي على العلماء الآخرين، وبرع العرب المسلمون في نقل معارف الحضارات الأخرى مع محاولات جادة لإخضاعها للتجربة والبرهان، ولم يكون فقط دور العلماء المسلمين فقط مقتصر على الترجمة والنسخ، بل كانت لهم مساهماتهم الجادة والحقيقية في القيام بتولید المعرفة الجديدة، عندما قاموا بفهم العلم على أنه عبارة عن معرفة نظرية تستهدف أغراضاً علمية تطبيقية، وكان تأثيرهم واضح فيها.
وفي تاريخ الأندلس وبغداد كان هنالك العديد من مساهمات العرب والمسلمين في نقل المعارف إلى الشعوب المجاورة بكل شفافية، وبعد أن تمت أصابتهم الفرقة، وبلغت أوروبا ما سُمّي بعصر النهضة، حيث انتقل مركز الريادة في توليد المعرفة إليها، وظهر على أيدي الأوربيين ما يُسمّى بالمعرفة العلمية، والمعرفة العلمية تستخدم في أساليب فكرية وعقلية جديدة تختلف عن أساليب الفلسفة النظرية، ودائما تكون خاضعة للتجربة والبرهان.
نشأة وتطور إدارة المعرفة في الفكر الإداري الحديث والمعاصر:
وكان عن طريق المدارس الفكرية والإدارية والتنظيمية المدرسة التقليدية ومدرسة العلاقات الإنسانية والمدارس الحديثة في الإدارة، وهي كما يلي:
- المدارس الفرعية الثلاث للمدرسة التقليدية:
- الإدارة العلمية للمفكر الإداري (فريدريك تايلور) الذي دعا إلى استخدام الخبراء المتخصصين لوضع أفضل الطرائق في تنفيذ وأداء العمل.
- التقسيمات الإدارية للمفكر الإداري (هنري فايول) الذي قام بتحديد وظائف المطلوبة من المدير.
- البيروقراطية للمفكر الإداري (ماكس ويبر) الذي دعا إلى الاعتماد على الخبرة والمهارة في الإدارة.
- مدرسة العلاقات الإنسانية: فقد أكدت على الاهتمام بالموظفين وتحسين ظروف العمل لديهم.
- أمّا الاتجاهات الحديثة:
- مثل نظم المعلومات الإدارية (Management information systems)، التي ركّزت على دور المعلومات في عملية صنع القرارات الإدارية.
- ونظرية (Z) أو الإدارة اليابانية، التي نادي رائدها إلى تعدد الخبرات والمعارف لدى الأفراد والقرارات الجماعية في المنظمة والثقافة المشاركة.
- نظرية الإدارة الموقفية، التي افترضت عدم وجود طريقة مُثلى للإدارة تصلح لكل المواقف.
- تكامل المعرفة التنظيمية مع التطورات الفكرية الحديثة في الإدارة، بخاصة مع انتشار إدارة الجودة الشاملة والتي أسهمت أدواتها ومداخلها، مثل:
- مثل المقارنة المرجعية (Benchmarking ).
- والأيزو (ISO) في تطور المعرفة.
- كما أسهمت إعادة هندسة نظم الأعمال (Reengineering) في خلق التراكم المعرفي.
- دور المعرفة مع نمو ظاهرة العولمة واستحقاقاتها ومع الانتشار لنظم الاتصال الحديثة، والاتساع لشبكة المعلومات ممّا يبسط انتشار المعرفة وتبادلها.