ما هي أهم الملاحظات والحسابات الدقيقة الفلكية؟
كان أحد الجوانب الرئيسية لعلم الفلك في القرن التاسع عشر هو التحرك نحو دقة أكبر في كل من طرق الحساب والأساليب الكمية للرصد، وهنا كان الخليفة الطبيعي لبرادلي هو فريدريش فيلهلم بيسيل الذي قلل من مجموعة برادلي الهائلة من مواقع النجوم للانحراف والتعفن، وفي عام 1818 نشر النتائج في كتالوج النجوم الجديد بدقة غير مسبوقة (Fundamenta Astronomiae) عن أسس علم الفلك.
لا يمكن أن نرغب في إثبات أفضل للطرق المحسنة من القياسات شبه المتزامنة لأوجه المنظر النجمية التي أجراها فريدريش جورج فيلهلم فون ستروف من النجم فيغا في عام 1837 وبسل النجم (61 Cygni) في عام 1838 والفلكي الاسكتلندي توماس هندرسون من النجم الثلاثي (Alpha Centauri) في عام 1838، والمنظر السنوي هو التحول الصغير ذهاباً وإياباً في اتجاه نجم قريب نسبياً، فيما يتعلق بالنجوم الخلفية البعيدة والناجمة عن حقيقة أن الأرض تغير موقعها المفضل على مدار المسار عام.
منذ قبول حركة كوبرنيكوس للأرض أدرك علماء الفلك أن اختلاف المنظر النجمي يجب أن يكون موجوداً، لكن التأثير صغير جداً (لأن قطر مدار الأرض ضئيل مقارنةً بمسافة أقرب النجوم) لدرجة أنه قاوم كل الجهود في الكشف، على سبيل المثال المنظر لـ (61 Cygni) هو 0.287 ثانية من القوس (ثانية واحدة من القوس = 1/3600 درجة).
لوحظ التحول من المنظر فقط بعد تطوير أدوات فلكية دقيقة مثل مقياس الهليومتر الذي بناه الفيزيائي الألماني وعالم البصريات جوزيف فون فراونهوفر من أجل بيسل والذي يمكنه قياس المواقع النجمية بالدقة اللازمة التي تبلغ مائة من الثانية من القوس، (في القرن السابق كان برادلي الذي كان قادراً على قياس المواقع النجمية بدقة نصف ثانية فقط من القوس قد حاول فاشلاً لاكتشاف المنظر النجمي عندما تعثر بدلاً من ذلك على انحراف الضوء)، القياس الناجح للاختلافات النجمية أعطت لأول مرة قيماً دقيقة لمسافات النجوم غير الشمس.
وبحلول عام 1820 كان من الواضح أن أورانوس لم يكن ملتزماً بجدول الحركة المتوقع له، وفي أربعينيات القرن التاسع عشر سعى جون كوش آدامز في إنجلترا وأوربان جان جوزيف لو فيرييه في فرنسا بشكل مستقل إلى تفسير الشذوذ من خلال جاذبية كوكب غير مكتشف خارج مدار أورانوس، افترض كل من (Adams وLe Verrier) الصلاحية التقريبية لقانون (Titius-Bode) لتسهيل حساباتهم.
وفي أيرلنديا واصل أحد الهواة الأثرياء ويليام بارسونز إيرل روسي الثالث المستوحى من مثال هيرشل البحث عن تلسكوبات أكبر وأفضل، ونظراً لأن (Herschel) قد تعامل مع بصريات تلسكوباته الكبيرة على أنها أسرار تجارية، وكان على (Rosse) أن يفعل كل تصميمه الخاص عن طريق التجربة والخطأ، وفي عام 1839 بنى روسي تلسكوباً عاكساً قياسه 36 بوصة (91 سم) مع مرآة مصنوعة من المعدن المصقول ثم في عام 1845 صنع تلسكوب بارسونستاون 72 بوصة أي 183 سم (Leviathan of Parsonstown).
في ذلك العام وباستخدام هذه الأداة العملاقة لاحظ روس ورسم الشكل الحلزوني للسديم المعروف باسم (Messier 51)، وبعد ثلاث سنوات رسم الشكل الحلزوني (لـ Messier 9)، كما وصف روس ومساعدوه في النهاية أكثر من 60 سديماً حلزونياً.
ما المقصود بصعود الفيزياء الفلكية؟
في عام 1835 استشهد الفيلسوف الوضعي الفرنسي أوغست كونت بالتكوين الكيميائي للنجوم كمثال على المعرفة التي قد تكون مخفية إلى الأبد، ومع ذلك لم يكن معروفاً لكونت فقد كان تطوير التحليل الطيفي يكشف بالفعل عن تكوين النجوم ويسمح بظهور الفيزياء الفلكية الحقيقية، وفي عام 1802 رأى الطبيب الإنجليزي ويليام هايد ولاستون العديد من الفجوات أو الخطوط المظلمة في طيف الشمس، وتوقع أن تكون هذه هي الحدود الطبيعية بين الألوان.
تم اكتشاف الخطوط المظلمة في الطيف الشمسي حوالي عام 1814 في ميونيخ بواسطة فراونهوفر الذي قام بفهرسة حوالي 500 منهم، ولاحظ فراونهوفر أن خط D الداكن في الجزء الأصفر من الطيف الشمسي يتوافق مع الخط الساطع المعروف في طيف لهب الشمعة، وأظهر فراونهوفر أيضاً أن الضوء من كوكب الزهرة يظهر نفس بنية ضوء الشمس ولاحظ خطوطاً داكنة في أطياف عدد من النجوم الساطعة.
اتخذ الفيزيائي الفرنسي جان فوكو خطوة مهمة في عام 1849 حيث أظهر أن الخطوط البرتقالية الساطعة التي تُرى في الضوء المنبعث من قوس الكربون، يمكن أيضاً ملاحظتها كخطوط امتصاص داكنة في ضوء الشمس الذي يمر عبر الغاز حول القوس، وبالتالي فإن الغاز الذي يمكن تحفيزه ليصدر لوناً معيناً سيمتص أيضاً نفس اللون بشكل تفضيلي، وفي حوالي عام 1859 أظهر الكيميائي الألماني روبرت فيلهلم بنسن والفيزيائي جوستاف روبرت كيرشوف كيفية ربط الخطوط الطيفية بعناصر كيميائية معينة.
ومن تحليل الخطوط المظلمة في الطيف الشمسي خلص كيرشوف إلى وجود الحديد والكالسيوم والمغنيسيوم والصوديوم والنيكل والكروم في الشمس، وفي عام 1868 حدد عالم الفلك الإنجليزي جوزيف نورمان لوكير خطاً برتقالياً في طيف البروز الشمسي ليس له نظير في أي عنصر معروف؛ لذلك نسبه إلى عنصر جديد أطلق عليه اسم الهيليوم (بعد الهيليوس الاسم اليوناني للشمس وإله الشمس)، ولم يتم عزل الهيليوم على الأرض حتى عام 1895 بواسطة الكيميائي الاسكتلندي ويليام رامزي.
الفيزياء الفلكية في ستينات القرن التاسع عشر:
في ستينيات القرن التاسع عشر وصف عالم الفيزياء الفلكية الإيطالي أنجيلو سيكي أطياف حوالي 4000 نجم وصنفها إلى أربع مجموعات، وطيف النجم مستمر مع وجود كل الألوان على الرغم من أنه قد يكون أكثر إشراقاً في جزء أو آخر من الطيف وفقاً لدرجة حرارة النجم، (إن النجوم الأكثر برودة أكثر احمراراً).
وعادةً ما يتم تراكب الطيف المستمر أيضاً بعدد من خطوط الامتصاص المظلمة، واستند مخطط تصنيف (Secchi) على اللون العام للنجم وعدد ونوع خطوط الامتصاص وميزات أخرى للطيف، كان هذا العمل الذي تم إجراؤه قبل تطبيق التصوير الفوتوغرافي على التحليل الطيفي بطيئاً ومملاً للغاية.
أيضاً في ستينيات القرن التاسع عشر لاحظ عالم الفلك الإنجليزي ويليام هيجينز طيف السديم اللامع، ووجد أنه يتكون فقط من خطوط انبعاث لامعة، لذلك كان هذا غازاً متوهجاً أي حالة ضبابية حقيقية، وعندما ذهب هيجينز لمراقبة حوالي 70 سديماً وجد أن السدم تتكون من مجموعتين رئيسيتين وحوالي ثلثها كانت غازية وحوالي الثلثين أظهروا الطيف المستمر الذي يمكن توقعه من النجوم غير المحلولة.
كان مركزاً رئيسياً للتحليل الطيفي في الجيل التالي هو مرصد كلية هارفارد تحت إشراف عالم الفلك الأمريكي إدوارد تشارلز بيكرينغ، ومن خلال وضع منشور أمام عدسة جسم التلسكوب تمكن فريقه من تصوير أطياف العديد من النجوم في وقت واحد، وظهر كتالوج (Henry Draper) الناتج (الذي سمي للاعتراف بالدعم المالي للمشروع الذي قدمته أرملة Draper) في تسعة مجلدات بين عامي 1918 و1924 واحتوى على أكثر من 225000 طيف.
كان مفتاح هذا العمل هو مخطط تصنيف نجمي جديد (لا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم وعلى سبيل المثال الشمس هي نجم من نوع G) تم تنقيحه بواسطة عالمة الفلك الأمريكية آني جمب كانون التي انضمت إلى فريق بيكرينغ في عام 1895.
في منتصف القرن التاسع عشر كان هناك خلاف كبير حول حقيقة وطبيعة تأثير دوبلر، اقترح الفيزيائي النمساوي كريستيان دوبلر حدوث تحول في تردد الضوء المستلم من مصدر متحرك في عام 1842 والذي اعتقد خطأ أنه بهذه الطريقة يمكنه شرح ألوان النجوم الثنائية، وتم توضيح تأثير دوبلر للصوت من قبل الفيزيائي الهولندي كريستوفوروس هنريكوس ديديريكوس بايز بالوت في عام 1845 من خلال وضع الموسيقيين في قطار متحرك.
وفي عام 1868 قاس (Huggins) تحولاً طفيفاً في موضع الخط (F) في طيف الهيدروجين (لـ Sirius) والذي تم تفسيره على أنه ناتج عن الحركة الشعاعية للنجم فيما يتعلق بالأرض، وتم الحصول على تأكيد قوي لتأثير دوبلر للضوء في سبعينيات القرن التاسع عشر بواسطة عالم الفلك الألماني هيرمان كارل فوغل الذي قاس التحول الطيفي بين الحواف الشرقية والغربية للشمس الدوارة.
في ثمانينيات القرن التاسع عشر بدأ فوغل وعالم الفلك الألماني يوليوس شاينر في قياس السرعات الشعاعية للنجوم باستخدام أطياف التصوير الفوتوغرافي، وسرعان ما أصبحت جدولة الأنواع الطيفية والسرعات الشعاعية جزءاً قياسياً من فهرسة النجوم.
فتح فهرسة الأطياف النجمية الطريق لاكتشافات جديدة لأنه سرعان ما أصبح واضحاً أن النوع الطيفي للنجم له علاقة بالسطوع الجوهري للنجم، ومع ذلك نظراً لأن النجم سيبدو باهتاً كلما ابتعد لا يمكن معرفة السطوع الجوهري (أو الحجم المطلق) للنجم ما لم يكن لدى المرء طريقة لتحديد المسافة أولاً.