حالة الدولة الإسلامية عند سقوط الدولة العباسية:
تولى العباسيون الخلافة الإسلامية سنة (132 هجري)، حيث بويع لأولهم أبي العباس عبد الله السفاح بالكوفة، واستمرت خلافتهم إلى سنة (656 هجري)، حيث سقط عبد الله المسعتصم قتيلاً بين يدي هولاكو خان المغولي من أعقاب جنكيز خان موحد التتر الخارج بهم إلى بلاد الإسلام.
جاءت الرايات السود من المشرق فأقعدت بني العباس على عرش بني أمية وجاءت رايات التتر من المشرق، فثلت عرشهم من بغداد زهرة المشرق وجنة الدنيا، فمن الشرق أشرق كوكب سعدهم ومن الشرق ظهر نجم نحسهم، استمرت خلافتهم (524 هجري) سنة استخلف فيها منهم (37) خليفة، فمتوسط ملك الخليفة منهم نحو (14) سنة وأكبر مدة قام فيها خليفة عباسي (46) سنة وأقلها سنة فما دونها.
بقيت مكوث الدولة العباسية مدة تصل إلى ((100 سنة لخلفائها الكلمات القوية والحكم التامة على جميع العالم الإسلامي (ما عدا بلاد الأندلس) يقولون فيسمع لهم ويأمرون فيأتمر الناس ولا يجسر أحد على مخالفتهم والوقوف في وجه جنودهم إلا منافسيهم في القرب من رسول الله وهم بنو عمهم من آل أبي طالب وبعض الخوارج الذين كانت تخبو نارهم حيناً وتلمع، ثم تجيء القوة العباسية الهائلة على ذلك بسرعة.
وقام في هذا العصر الباهر من العباسيين ثمانية خلفاء وهم السفاح والمنصور والمهدي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق متوسط خلافة الواحد، معهم اثنتا عشرة سنة ونصف وينتهي هذا الدور بوفاة الواثق سنة (222 هجري).
ثم جاء بعد ذلك قرن آخر من (222 هجري)، إلى (334 هجري)، أخذت الدولة فيه في النزول شيئاً فشيئاً وضعف تلك المكانة التي كانت لهم في نفس الأمم الإسلامية واجترأ الأمراء بالأطراف على الاستقلال وصار أمر العباسيين يضمحل حتى لم يبق بيدهم إلا العراق وفارس والأهواز وهذه مملوءة بالاضطراب والفتن، وآل الأمر إلى أن يتولى بغداد مملوك تركي أو ديلمي يطلق عليه أمير الأمراء له النفوذ التام والسلطان المطلق والولاية العامة وليس للخلافة من الأمر شيء.
قام في هذا العصر اثنا عشر خليفة. وهم الشوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر والقاهر والمتقي والمستكفي الذي ملك بنو بويه في آخر عهده. ومتوسط خلافة الواحد منهم ثماني سنوات ونصف، ولم يمت منهم موتاً هادئاً إلا أربعة، والباقون خرجوا من الخلافة بين قتيل ومخلوع، وكان استيلاء بنى بويه على بغداد سنة (334 هجري).
جاء بعد ذلك دور ثالث من (334 – 447 هجري)، ليس للخليفة فيه إلا اسم الخلافة والسلطان الفعلي لأمة فارسية هي الأمة الديلمية التي يمثلها السلطان من بني بويه يقيم ببغداد، فصار الخليفة كأنه موظف لهم يتناول منهم ما يقوم بأوده، وليس له تصرف ولا نفوذ يؤمر فيأتمر، ويفعل ما يراد منه لا ما يريد، وليس له على أنفس المالكين شيء من السلطان الديني لمباينتهم له في العقيدة.
وقد قام في هذا الدور المستكفي، والمطيع والطائع والقادر والقائم وكانت منتصف مدة الخلافة منهم ((22 سنة ونصف، والقائم هو حلقة الربط بين هذا الدور والذي يليه والثلاثة الأولون من خلفاء هذا الدور خلعهم بنو بوية.
جاء بعد ذلك دور آخر من سنة (447 – 590 هجري)، انتقل السلطان الفعلي فيه إلى أمة تركية يمثلها سلطان من آل سلجوق يقيم ببلاد الجبل لا في بغداد وكان بنو العباس مع هذه الدولة أحسن حالاً منهم مع بني بوية فإن هؤلاء كانوا يحترمون الخلفاء تديناً وكانوا يبدون لهم من مظاهر التعظيم والإجلال ما يقضي به منصبهم الديني.
وقد ولي في هذا الدور المقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد والمقتفي والمستنجد والمستضيء، ومنتصف الخلافة لكل خليفة منهم نحو عشرين سنة ونصف وما كان الخلفاء في هذه المدة على طبيعة واحدة، فإنهم من عهد المسترشد، شرعوا يستردون شيئاً من نفوذهم الفعلي في بغداد والعراق والذي ساعدهم على ذلك بعد آل سلجوق عنهم وتفرقهم ووقوع الحرب بينهم، وقد تم استبدادهم بأمر العراق في عهد المقتفي وانقضت دولة السلاجقة سنة (590 هجري)، على يد خوارزمشاه ونفوفهم في العراق قد اضمحل تماماً.
بقي العباسيون بعد فترة انهيار الدولة السلجوقية (66) سنة، لم يكن لهم حكم فيها تحت سلطان أحد بل كانوا منفصلين يملك العراق إلى أن قام المغول والتتار بحركتهم التي ابتدأت بأقصى تركستان وعصف ريحهم على البلاد الإسلامية، فأخذ أنفاس الدولة العباسية وأزالها من بغداد على يد هولاكو حفيد جنكيز خان سنة (656 هجري).
أدوار الدولة العباسية:
للدولة العباسية أدوار أهمها ما يلي:
- (100) سنة عصر القوة والعمل من (132 – 232 هجري).
- (102) سنة عصر استبداد المماليك الأتراك من (232 – 334 هجري).
- (113) سنة عصر استبداد الملوك من آل بويه من (334 – 447 هجري).
- (83) سنة عصر استبداد الملوك من آل سلجوق من (447 – 530 هجري).
- (126) سنة عصر استعادة العباسيين شيئاً من نفوذهم السياسي مع تغلب القواد من (530 – 656 هجري).