الفلسفة السياسية للفيلسوف روسو

اقرأ في هذا المقال


تتوزع مساهمات روسو في الفلسفة السياسية بين أعمال مختلفة أبرزها الخطاب حول أصول عدم المساواة والخطاب حول الاقتصاد السياسي والعقد الاجتماعي والاعتبارات المتعلقة بحكومة بولندا، ومع ذلك فإنّ العديد من أعماله الأخرى الرئيسية والثانوية تحتوي على فقرات تضخم أو تضيء الأفكار السياسية في تلك الأعمال، فعقيدته المركزية في السياسة هي أنّ الدولة لا يمكن أن تكون شرعية إلّا إذا استرشدت بـ”الإرادة العامة” لأعضائها، وتجد هذه الفكرة المعالجة الأكثر تفصيلاً لها في العقد الاجتماعي.

فلسفة السياسة في عمل روسو العقد الاجتماعي:

في كتابه العقد الاجتماعي شرع روسو في الإجابة عما يعتبره السؤال الأساسي للسياسة التوفيق بين حرية الفرد وسلطة الدولة، وهذه المصالحة ضرورية لأنّ المجتمع البشري قد تطور إلى درجة لم يعد بإمكان الأفراد فيها توفير احتياجاتهم من خلال جهودهم غير المدعومة بل يجب أن يعتمدوا على تعاون الآخرين.

وتم تحديد العملية التي يتم من خلالها توسيع احتياجات الإنسان وتعميق الاعتماد المتبادل في الخطاب حول أصول عدم المساواة، ففي هذا العمل تتضمن اللحظة الأخيرة لتاريخ روسو التخميني ظهور صراع مستوطن بين الأفراد المترابطين الآن والحجة القائلة بأنّ انعدام الأمن الهوبيزي لهذا الشرط سيؤدي بالجميع إلى الموافقة على إنشاء سلطة الدولة والقانون.

أمّا في الخطاب الثاني ترقى هذه المؤسسة إلى تعزيز العلاقات الاجتماعية غير المتكافئة والاستغلالية التي يدعمها القانون وسلطة الدولة، وفي صدى أصداء لوك وتحسبا لماركس يجادل روسو بأنّ هذه الدولة ستكون في الواقع دولة طبقية تسترشد بالمصلحة المشتركة للأثرياء والملاك وتفرض عدم الحرية والتبعية على الفقراء والضعفاء، والموافقة غير الممتلئة على مثل هذه المؤسسة لأنّ خوفهم المباشر من حالة حرب هوبز يقودهم إلى الفشل في الاهتمام بالطرق التي ستضرهم بها الدولة الجديدة بشكل منهجي.

يهدف العقد الاجتماعي إلى تحديد بديل لهذا الواقع المرير وهو بديل يدعي روسو أنّ كل شخص يتمتع فيه بحماية القوة المشتركة بينما يظل حراً كما كان في حالة الطبيعة، مفتاح هذه المصالحة هو فكرة الإرادة العامة أي الإرادة الجماعية لجسد المواطن ككل، والإرادة العامة هي مصدر القانون ويريدها كل مواطن، وعند طاعة القانون يخضع كل مواطن لإرادته وبالتالي وفقًا لروسو يظل حراً.

فلسفة روسو في التمثيل والحكومة:

إحدى سمات فلسفة روسو السياسية التي أثبتت أنّها أقل إقناعًا للمفكرين اللاحقين هي مذهبه في السيادة والتمثيل مع رفضه الواضح لـ “حكومة تمثيلية”، ففي قلب وجهة نظر روسو في العقد الاجتماعي حيث رفضه لفكرة هوبز القائلة بأنّ الإرادة التشريعية للشعب يمكن إسنادها إلى مجموعة أو فرد ما يتصرف بعد ذلك بسلطته ولكنه يحكم عليهم.

وبدلاً من ذلك يتبنى الرأي القائل بأنّ تسليم الحق العام للفرد في حكم نفسه إلى شخص آخر أو هيئة أخرى يشكل شكلاً من أشكال العبودية، وأنّ الاعتراف بمثل هذه السلطة يرقى إلى التنازل عن الفاعلية الأخلاقية، ويمتد هذا العداء لتمثيل السيادة أيضًا إلى انتخاب الممثلين في المجالس السيادية حتى عندما يخضع هؤلاء الممثلون لإعادة انتخابهم بشكل دوري، وكذلك حتى في هذه الحالة سوف يشرع المجلس في مجموعة من الموضوعات التي لم يناقشها المواطنون.

ولذلك فإنّ القوانين التي تصدرها هذه الجمعيات تُلزم المواطنين بشروط لم يتفقوا عليها هم أنفسهم، ولا يشكل تمثيل السيادة بالنسبة لروسو استسلامًا للفاعلية الأخلاقية فحسب بل إنّ الرغبة المنتشرة في أن يتم تمثيلها في أعمال الحكم الذاتي هي أحد أعراض التدهور الأخلاقي وفقدان الفضيلة.

إنّ الصعوبات العملية للحكم الذاتي المباشر من قبل جسم المواطن بأكمله واضحة، وقد تكون هذه الترتيبات مرهقة ويجب أن تحد بشدة من حجم الدول الشرعية، ومن الجدير بالذكر أنّ روسو يتخذ وجهة نظر مختلفة في نص يهدف إلى السياسة العملية أي بمعنى اعتبارات حول حكومة بولندا، ومع ذلك ليس من الواضح تمامًا ما إذا كان التفسير الواسع الانتشار لروسو على أنّه يرفض جميع أشكال الحكومة التمثيلية صحيحًا.

أحد الفروق الرئيسية في العقد الاجتماعي هو بين السيادة والحكومة، حيث يُصدر القوانين الحاكم المُطلق المكون من الشعب ككل تعبيراً عن إرادته العامة، والحكومة هي هيئة محدودة تدير الدولة ضمن الحدود التي تحددها القوانين والتي تصدر المراسيم لتطبيق القوانين في حالات معينة، وإذا تم تصور القوانين على أنّها يضع الناس إطارًا دستوريًا للمجتمع مع قرارات الحكومة التي تتضمن الأعمال الأكثر طبيعية “للتشريع”، فإنّ المسافة بين جمهورية روسو والديمقراطية الدستورية الحديثة قد تكون أصغر مما يبدو للوهلة الأولى.

وفي الواقع قد تكون مؤسسة السيادة غير متسقة مع النموذج التمثيلي حيث يمكن فهم السلطة التنفيذية للحكومة على أنّها تتطلب ذلك، وتكتسب هذه الصورة مصداقية عندما يتم فحص تفاصيل آراء روسو بشأن الحكومة، وعلى الرغم من أنّ مجموعة متنوعة من أشكال الحكومة تتوافق نظريًا مع السيادة الشعبية إلّا أنّ روسو متشكك في احتمالات الديمقراطية (حيث يدير الناس الإدارة اليومية للدولة وتطبيق القوانين) والملكية، وبدلاً من ذلك يفضل شكلاً من أشكال الأرستقراطية المنتخبة وبعبارة أخرى يدعم فكرة أنّ الإدارة اليومية يجب أن تكون في أيدي مجموعة فرعية من السكان يتم انتخابهم وفقًا للجدارة.

فلسفة روسو ما بين السيادة والحكومة:

برزت قضيتان مهمتان فيما يتعلق برواية روسو للعلاقات بين السيادة والحكومة وهما:

  1. أولها يتعلق بتشاؤمه السياسي حتى في حالة الجمهورية الأفضل تصميمًا والأكثر كمالًا، وكما أنّ أي مجموعة لديها إرادة جماعية على عكس الإرادة الفردية الخاصة لأعضائها كذلك تفعل الحكومة، وعندما تصبح الدولة أكبر وأكثر انتشارًا وعندما يصبح المواطنون أكثر بعدًا عن بعضهم البعض مكانيًا وعاطفيًا ستحتاج الحكومة الفعالة للجمهورية إلى مجموعة أصغر نسبيًا وأكثر تماسكًا من القضاة، ويعتقد روسو أنّه من الحتمي تقريبًا أن ينتهي الأمر بهذه المجموعة إلى اغتصاب السلطة السيادية الشرعية للشعب واستبدال إرادتها الجماعية بإرادة الشعب العامة.
  2. المسألة الثانية تتعلق بكيفية تصور روسو للديمقراطية حيث أنّ تكون جمهوريته، يقترح أحيانًا صورة يكون فيها الناس خاضعين لسيطرة النخبة من قبل الحكومة لأنّ القضاة سيحتفظون بأعمال وضع جدول أعمال الجمعية لأنفسهم، وفي حالات أخرى يؤيد مفهوم جمهورية ديمقراطية كاملة.

على الرغم من أنّ روسو يرفض وجهة نظر هوبز عن الحاكم المطلق باعتباره يمثل أو يتصرف في شخص الذات إلّا أنّ لديه وجهة نظر مماثلة لماهية السيادة وعلاقتها بحقوق الفرد، ويرفض فكرة أنّ الأفراد المرتبطين ببعضهم البعض في مجتمع سياسي يحتفظون ببعض الحقوق الطبيعية على أنفسهم وممتلكاتهم، وبدلاً من ذلك فإنّ الحقوق التي يتمتع بها الأفراد على أنفسهم والأرض والأشياء الخارجية هي مسألة اختصاص وقرار سيادي ويجب تحديد الحقوق الفردية من قبل صاحب السيادة.


شارك المقالة: