قصة قصيدة وما الفقر عيبا ما تجمل أهله

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة وما الفقر عيبا ما تجمل أهله:

أمّا عن مناسبة قصيدة “وما الفقر عيبا ما تجمل أهله” فيروى بأنه في يوم من الأيام رأى رجلًا جارًا له واقفًا عند حاوية القمامة، وبينما هو واقف ينظر إليه مدّ الرجل يده إلى الحاوية وتناول منها شيئًا وأخذه معه ودخل إلى بيته، فاقشعر بدنه لما رآه، وهان عليه أن يكون له جار جائع، فقرر أن يذهب إلى بيته ويزوره، وعندما زاره تفاجأ بأن هذا الرجل يملك بيتًا جميلًا، ولا ينقصه شيء، فسأله عما شاهده، فقال له الرجل: لقد رأيت الطعام في الحاوية، وقد كان صالحًا، فرفضت أن تكون هذه حال النعمة، وقررت أن أكرمه على أن يكون في مثل هذا المكان.

ثم أكمل الرجل قائلًا: لقد كنت فقيرًا، وكنت وقتها أتمنى أن أحصل على أي طعام، وعندما تحسنت حالتي عاهدت الله أن أكرم الطعام حينما أراه، فسأله الرجل عما حصل له، فقال له: اسمع يا أخي قصتي، لقد كنت في مكة المكرمة، وأصابني فقر عظيم، وكان عندي زوجة وابنة، ولم أكن أعمل وقتها، وكنت كل صباح أخرج أبحث عن عمل، ولكن من دون جدوى، وأعود إلى البيت في المساء، وأجد زوجتي وابنتي تنتظراني لعله يكون معي أي طعام، وفي إحدى المرات مرّ علينا ثلاثة أيام لم نأكل فيها شيئًا، فقررت أن أقوم ببيع ابنتي في سوق الجواري، وذهبت إلى زوجتي وأخبرتها بأن تقوم بتنظيفها وتمشيط شعرها، لكي آخذها وأبيعها، لعلها تذهب إلى عائلة كريمة لا تجوع عندهم، ففعلت زوجتي كما أخبرتها بعد أن عجزت عن إقناعي بعكس ذلك.

وأخذت ابنتي إلى السوق وعرضتها للبيع، ومر بي أعرابي وأراد أن يشتريها بعد أن عرف أن سعرها قليل، واتفقت معه على أن يعطيني اثنا عشر درهمًا من الفضة ثمنًا لها، وأخذت النقود وتوجهت إلى السوق واشتريت طعامًا ولكني عجزت عن حمله، فدفعت لأحدهم كي يقوم بحمله لي إلى البيت، وسبقته، وانتظرته في البيت ولكنه لم يأت، فعدت إلى السوق أبحث عنه ولكني لم أعثر عليه، فمددت يدي إلى جيبي لكي أخرج النقود وأشتري الطعام، ولكني لم أجدها أيضًا، فضاقت بي الدنيا، وقررت أن أتوجه إلى الحرم، وأتربص بمن اشترى ابنتي، وانتظره لكي يخرج، وأقتله وأعيد ابنتي.

وتوجهت إلى الحرم، ووجدته وأخذت أتربص به، ولكنه رآني، ونادى علي، فتوجهت إليه، وجلست معه، فقال لي: يا عم، من هذه الفتاة؟، فقلت له: هي جاريتي، فقال له الأعرابي: لا بل هي ابنتك، فقد أخبرتني بذلك بعد أن غادرت، فلماذا قمت بيعها؟، فقلت له: لقد مر بنا ثلاثة أيام من الجوع لم نأكل فيها شيئًا، وقد خفت أن نموت ثلاثتنا، فقررت أن أبيعها، وأخبرته بأني أضعت ما دفع لي من مال مقابلها، فقال لي الأعرابي: إن معي ثلاثون درهمًا، وهي مناصفة بيني وبينك، فخذها وخذ ابنتك وعد إلى بيتك، ففرحت بذلك فرحًا عظيمًا، وأخذت ابنتي وذهبت على السوق لكي أشتري الطعام.

وهنالك وجدت الحمال، فقلت له: لما لم تلحقني بالطعام؟، فقال لي: لقد أسرعت في مشيك يا عم، ولم أستطع اللحاق بك، وقد أوقعت عشرة دراهم، وهي معي، فأعطانيها وأعطاني الطعام، وأخذتها وتوجهت إلى البيت، ومنذ تلك اللحظة وأنا لا أحقر الطعام أبدًا.

وفي خبر ذلك قال ابن الرومي:

وما الفقرُ عيباً ما تَجمَّلَ أهلُهُ
ولَم يسألوا إلا مُداواةَ دَائِهِ

ولا عَيب إلَّا عَيبُ مَن يملك
الغِنى ويمنعُ أهلَ الفقرِ فضلَ ثرائهِ

عجِبتُ لعيب العائبينَ فقيرهَم
بأمرٍ قَضاهُ ربُّه من سِمائه

نبذة عن ابن الرومي:

هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، من كبار شعراء العصر العباسي، ولد في بغداد وتوفي فيها.


شارك المقالة: