الجذور الفلسفية لعلم النفس المعرفي

اقرأ في هذا المقال


بدايات علم النفس المعرفي:

بدأ الاهتمام بالمعرفة الإنسانية في زمن الإغريق، عن طريق تطرقهم لأسس ومعايير المعرفة، وكانت هذه التطرقات الجدلية فلسفية من حيث النظر لها وللأسس التي تقوم عليها، وكان أهم ما يشير إليها هو الفطرة ومكمونها الأساسي.

وبعدها اشتد النقاش بين العديد من الفلاسفة بشأن النظرة الحقيقية للاكتشاف والتنفيذ، وبين الجهة الأخرى من الفلاسفة الداعمين لوجهة النظر الفطرية، وكانت هذه الحوارات تقوم على قاعدة فلسفية، واستمر الجدل والمناقشات الفلسفية مدة طويلة تطورت خلالها علوماً بشكل ملحوظ مثل الفلك والطبيعة والكيمياء والأحياء.

إلا أن هذا التقدم لم يقم على أي من التجارب والتنفيذات للمنهج العلمي؛ من أجل فهم المعرفة الإنسانية، ولم يجد هذا الفهم مكاناً حتى نهاية القرن التاسع عشر حيث كان يبدو قبل ذلك أن الطبيعة الإنسانية غير قابلة للتفسير العلمي.

وكان علم النفس المعرفي يتمحور حول الشخص والقصص والأبحاث غير المفهومة وغير الواضحة، نحو طبيعة النفس الإنسانية وبعدها تم التوصل إلى أن المعرفة الإنسانية قد تكون مجالاً للأبحاث العلمية أكثر من كونها مجرد وجهات نظر أو مناقشات متبادلة بين الجميع.

في سنة 1879 كان هذا العلم هو علم النفس المعرفي بالنسبة لجميع العناصر الأساسية الثانية لعلم النفس بشكل عام، وقد استعمل فونت وطلابه وعدد كبير من علماء علم النفس أسلوب الانعكاسات وردود الفعل، وهي طريقة منهجية نمطية، وكان الأفراد الذين يشتركون في التدريب العالي الفعالة يضعون التقارير عن مكمون الإحساس لديهم أي ما يحسون به، وذلك من خلال ظروف أو شروط تجريبية مضبوطة بعناية ودقة.

من ثم تأسس عنوان رئيسي آخر غير مفهوم الاستبطان وهو مراقبة وملاحظة الذات، والتي تتمثل في نظرة الشخص لما يحصل بداخله من عمليات ذهنية ثم يقوم ببالتعبير عنها وبأسلوب مباشر دون أي تسويف وتحفظ، وقبل إنجاز أية مهام أخرى خارج موضوع التجربة.

وكانت الاعتقادات المنتشرة في ذلك الوقت أنه يجب تعريض مضمون الشخص والعمليات الذهنية للمراقبة الشخصية، ولذا فإن التحليلات التي كانت تقدم للعمليات المعرفية، هي مراقبات تم التوصل إليها من خلال التقارير الاستبطانية.

لم يكم مفهوم الاستبطان من المفاهيم الموافق عليها من جميع العلماء، بحيث كان يتباين ويختلف في المعنى والتفسير من شخص مهتم لآخر، فمنهم من يرى أنه مراقبة للنفس، وآخرون يرون أنه لا يعبر عن التشخيص والتحليل المكثف لمكنونات الشخص وما يشعر به من عمليات داخلية باطنية.

الجذور الفلسفية لعلم النفس المعرفي:

يعود علم النفس المعرفي إلى قواعد ثابتة في الفلسفة، وخاصة الفلاسفة اليونانيين أمثال أرسطو وأفلاطون، الذين كانت لهم نظرة وآراء أساسية في أهم المواضيع والمفاهيم التي تفسر المعرفة من حيث أساسها وأساليب تحقيقها وإدراكها بشكل مناسب وحقيقي.

وتطرق هؤلاء الفلاسفة إلى مفهوم الاستدلال وعناصر العقل وعوامل ثانية متشابهة مثل الإدراك والذاكرة، بحيث يرى أرسطو أن قدرة الفرد على الاكتشاف واستخدام الحواس جميعها هي الوسيلة لتحقيق ما يسمى بالمعرفة، كما أن قواعد الفكر وبخاصة قواعد الاقتران تشكل لدى الفرد القاعدة التي يقوم عليها المنحنى الارتباطي في علم النفس الحديث.

ويتضح أن أرسطو يعطي الاهتمام الأكبر على وظيفة البيئة وفوائد الخبرة والكفاءة في تنمية وتحسين وتقدم العقل، وتوسيع محتوياته كما تمثل الملاحظة الحسية في رأي أرسطو الوسيلة التي تستعمل في اكتساب وتعلم المعرفة الصادقة وتنميتها.

أما أفلاطون ينظر إلى المعرفة على أنها فطرية أي تولد مع الفرد، وهي موجودة في العقل ولا يمكن تعلمها من خلال البيئة أو التدريب عليها، ويجتمع دور التعلم في تبسيط ظهور هذه المعرفة وتحليلها وتشخيصها، وأن التشارك مع البيئة يساعد العقل في تجديد وتحديث المعرفة الموجودة لديه ويسهم في تبسيط استرجاعها.

قدم أفلاطون نظرية التشابه أو النظرية الشمعية التي تتعلق بمفهوم الذاكرة والحفظ في علم النفس المعرفي، بحيث تتمثل هذه النظرية بأن العقل يشكل انطباعات عن الإشارات التي يصادفها من خلال عمل شبيه أو نسخ لها، ويشبه المخ بشكل شمعي يتفاوت في حجمه وملمسه بالنسبة لتباين الأفراد.

بحيث تنطبع عليها ما يشعر به الشخص، وكلما طال الزمن الذي يحتفظ فيه العقل بهذه التشابهات أو الإشارات، كلما كان انتباه وتفسير الشخص لها بشكل أفضل؛ لأن ختمها على وجه السطح الشمعية يكون اكثر وضوحاَ، ويمكن القول أن آراء أفلاطون حول المعرفة وعناصر العقل والذاكرة تمثل القواعد الفلسفية للاتجاه المعرفي في علم النفس.

يرى لوك أن الخبرة هي القاعدة الرئيسية للمعرفة؛ لأن عقل الشخص عند ولادته يكون كالصفحة البيضاء يتمثل محتواها عن طريق الخبرة والتشارك مع مثيرات البيئة المختلفة، وأن المعرفة تتكون من آراء بعضها سهل وبعضها صعب، وتشكل الآراء السهلة معيار رئيسي للمعرفة.

عندما تتشابك الآراء السهلة مع بعضها البعض فإنها تكوّن الآراء الصعبة، وقد كونت آراء لوك وهوبز وهيوم الجانب الإمبريقي الذي يعتمد على دور الملاحظة والخبرة، وقد رسمت هذه التحليلات في فلسفة الارتباطيين.

ورأى هؤلاء العلماء والفلاسفة أن الاقتران والتشابه هو الطريقة التي تتشكل عن طريقها العلاقات، فالأحداث التي ترتبط معاَ زمانياً أو مكانياً ترتبط مع بعضها ويتقوى الارتباط بتكرار حدوث هذه الأفكار معاً، وبالتالي فإن حدث ما يؤدي إلى استدعاء الفكرة او الحدث الذي يقترن به ويكون الارتباط سبب تدفق الخبرات الشعورية.


شارك المقالة: