مفهوم المحاسبة العقلية في علم النفس

مفهوم المحاسبة العقلية في علم النفس:

المحاسبة العقلية هي نظرية تصف كيف يفكر الناس في المال، حيث تقترح هذه النظرية أن الأشخاص يتتبعون وينسقون أنشطتهم المالية عن طريق تقسيم الأموال إلى حسابات عقلية ذهنية، والتي تُستخدم لاتخاذ قرارات الإنفاق، حيث أنها قد تتضمن أمثلة الحسابات العقلية حسابًا ترفيهيًا أو حسابًا تعليميًا، ويمثل كل منها أموالًا مخصصة لهذا المسعى.

يمثل مفهوم المحاسبة العقلية في علم النفس تحولًا من النظرية الاقتصادية التقليدية التي تشير إلى أن الناس يفكرون في أصولهم كحساب واحد يمثل الحالة الإجمالية لثروتهم، ووفقًا للنظرية النفسية الاقتصادية تستند قرارات الإنفاق على فائدة الشراء بالنسبة إلى جميع المشتريات المحتملة الأخرى، وبدلاً من ذلك تشير المحاسبة العقلية إلى أن قرارات الإنفاق تستند إلى المنفعة المتعلقة فقط بالمشتريات الأخرى في الحساب ذي الصلة.

خلفية مفهوم المحاسبة العقلية في علم النفس:

ظهر مفهوم المحاسبة العقلية في علم النفس لأول مرة مع دراسات حول السلوك الإنساني الإنفاقي المرتبط بالتكاليف الغارقة أي الأموال التي يتم إنفاقها على حدث مستقبلي لا يمكن استردادها، ومنها توسعت دراسات البحث النفسي في المحاسبة العقلية منذ ذلك الحين لتشمل المزيد من التحليلات المتعمقة لسلوك الإنفاق وكذلك كيفية فتح الحسابات العقلية وإغلاقها وكيفية تقسيم الدخل إلى الحسابات.

دليل لمفهوم المحاسبة العقلية في علم النفس:

تتمثل أهم الأدلة الموضحة لمفهوم المحاسبة العقلية في علم النفس من خلال ما يلي:

دليل التكاليف الثابتة:

فحصت إحدى دراسات المحاسبة العقلية المبكرة ما إذا كان الناس سيحضرون مباراة كرة سلة في وسط عاصفة ثلجية، أولئك الذين اشتروا تذكرة مقدمًا يختارون الذهاب لمشاهدة اللعبة، حيث أنه على الرغم من عدم رغبتهم في القيادة في الأحوال الجوية السيئة، في المقابل يقرر الأشخاص الذين يخططون لشراء تذكرة في اللعبة البقاء في المنزل لتجنب القيادة في ظروف سيئة.

ومنها يمكن أن يُعزى هذا الاختلاف إلى ملاحظة أنه بالنسبة لحاملي التذاكر المتقدمين، يظل الحساب الذهني لمشاهدة لعبة كرة السلة مفتوحًا حتى يتم حضور المباراة، وإذا لم يتم حضور اللعبة، فقد يظل الحساب العقلي مفتوحًا إلى أجل غير مسمى مما قد يكون مصدر إزعاج عقلي يؤثر في النفسية.

دليل تخصيص الأنشطة للحسابات:

يقدم البحث النفسي الذي يحقق في تخصيص الأنشطة للحسابات العقلية سيناريوهات متعددة تتمثل فيما يلي:

1- تخيل أن الشخص أنفق مبلغ من المال على تذكرة للذهاب لمشاهدة حفلة موسيقية، وعندما يصل إلى الحفلة الموسيقية، يدرك أنه فقد التذكرة التي اشتراها، وهنا يمكننا النظر لرغبة الفرد حقاً في مشاهدة الحفلة الموسيقية، فعليه شراء تذكرة أخرى بنف القيمة، ونتساءل هل حقاً سيشتريها أم لا.

2- تخيل أن الف ذهب إلى الحفلة الموسيقية بدون تذكرة من الأصل ويخطط لشراء واحدة هناك، وعندما ينظر للمحفظة يجد أنه لا يمكنه شراء التذكرة لأنها ذات مبلغ عالي، فهل سيقوم بالشراء أم لا.

تقل احتمالية شراء الأشخاص للتذكرة بعد خسارة التذكرة، مقارنة بخسارة مبلغ مالي بشرائها لأول مرة، وهذا يتعارض مع النظرية النفسية الاقتصادية التقليدية؛ لأن السيناريوهات متكافئة اقتصاديًا في كلا الإصدارين، يعني اختيار تخطي الحفلة أن يكون لدينا المبلغ المالي أقل وخيار مشاهدة الحفلة يعني أن يكون لدينا مبلغ مالي أكبر بكثير.

دليل فائدة المعاملات:

يكشف البحث النفسي عن فائدة المعاملات أي تصور النتائج وخبرتها، حيث أن تغيير سياق الشراء يجعل الناس على استعداد لدفع أسعار مختلفة ومتباينة لنفس المنتج المحدد، حيث تتوقع النظرية الاقتصادية أن الاستعداد للدفع لا يجب أن يتأثر بعوامل مثل مصدر المنتج، ويكشف بحث المحاسبة العقلية أن هذا ليس هو الحال في الواقع وأن الناس يدركون ويختبرون النتائج بشكل مختلف اعتمادًا على السياق، ويتم تحميل نفس البيرة على حسابات عقلية مختلفة بناءً على الظروف الخاصة للشراء.

دليل المحاسبة العقلية في الحياة الحقيقية:

تمت دراسة المحاسبة العقلية باستخدام سيناريوهات افتراضية مثل تلك الموضحة سابقًا وفي المجال ضمن مجموعات سكانية متنوعة، حيث قامت إحدى الدراسات الميدانية بالتحقيق في المحاسبة العقلية لسائقي سيارات الأجرة، ووجدت أن السائقين يميلون إلى العمل لفترة أطول في الأيام التي يكسبون فيها أموالًا أقل ويتركون في وقت مبكر في الأيام التي يكسبون فيها الكثير من المال.

كشفت هذه الدراسة أن سائقي سيارات الأجرة لديهم حساب عقلي للدخل يملأه كل يوم، وبمجرد ملء الحساب يمكن اعتبار أن يوم العمل قد انتهى، ومنها تتوقع النظرية النفسية الاقتصادية أن السائقين سيعملون لفترة أطول في الأيام ذات الدخل المرتفع وأن يتركوا الخدمة مبكرًا في الأيام البطيئة من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المال لكل ساعة عمل، ولكن هذا هو عكس ما يفعله معظم السائقين تمامًا.

أهمية وتأثيرات المحاسبة العقلية في علم النفس:

تساعد المحاسبة العقلية في توضيح أن النظرية النفسية الاقتصادية لا يمكنها دائمًا تفسير السلوك الإنساني، حيث إنه يوضح أن المال لا يُعامل دائمًا على أنه يمثل حالة عامة للثروة، وأن العوامل النفسية مهمة يجب مراعاتها عند التنبؤ بالسلوك اليومي عندما يتعلق الأمر بكسب المال أو إنفاقه.