مؤتمر باندونغ

اقرأ في هذا المقال


لقد انتهت الحرب العالميّة الثانية بكلّ مآسيها وأحزانها، حيث شهد العالم تشكل نظام دوليّ جديد يتسم بالقطبيّة الثنائيّة. ظهرت على المسرحِ العالميّ الولايات المتّحدة والاتحاد السوفيتي، هنا بدأ العالم يدخل في مرحلة جديدة من تاريخه سُمِّيَتْ بالحرب الباردة، فتشكلت أحلاف عسكريّة استقطب فيها كلّ من المعسكرين الشيوعيّ والرأسمالي الدّول التي تدور في محيطه.
و في ظلّ هذا الاستقطاب الشديد كانت دوافع الحركة في عدم الانحياز تولد، فمُنذ مطلع الخمسينات شهد العالم أكبر حركة تحريريّة في تاريخِه المعاصر، إذ تمثلت في استقلال جزء كبير من المُستعمرات في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينيّة، حيث بدأت هذه الدّول تطالب بمكانٍ لها في المسرح العالميّ.
وجمعتها قواسم مشتركة من أهمها: معارضتها لسياسة الارتباط بأيّ من المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، أيضاً رغبتها في الوقوف بعيداً عن سياساتِ الحرب الباردة وتكتلاتها وأحلافها، حيث سعت هذه الدّول لتحقيق التنميّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، العمل على إيجاد أسس جديدة للعلاقات الدوليّة تضع نهاية للسيطرة الأجنبيّة بكافة أشكالها وصورها.

مؤتمر باندونغ:

في 21 أبريل من عام 1955، لقد عقد مؤتمر باندونغ بذراع القهوة، الذي حضرته وفود 29 دولة من أفريقيا وآسيا، حيث استمر لمدة ستة أيام، فكان النواة الأولى لنشأةِ حركة عدم الانحياز. وعُقِدَ في مدينة باندونغ الإندونيسية عام 1955، حيث شارك فيه الرئيس عبد الناصر بالإضافة إلى رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، أيضاً رئيس يوغسلافيا جوزيف تيتو والرئيس السودانيّ إسماعيل الأزهري وجبهة التحرير الوطني. ولقد تبنى المؤتمر مجموعة من القراراتِ لصالح القضايا العربيّة وضدّ الاستعمار.

مبادئ مؤتمر باندونغ:

لم تحُل الانتماءات السياسيّة المتعارضة، بين الدّول الحضور في باندونغ دون صياغة عشرة مبادئ، التي تعد ميثاقاً للعلاقاتِ بين هذه الدول من أهمها:

  • احترام حقوق الإنسان.
  • سيادة جميع الدّول والعمل على وحدتها.
  • عدم التدخّل في شؤونها.
  • تسويّة المنازعات بالطرق السلميّة.
  • تنمية المصالح المتبادلة بينها والتّعاون.

انعقاد مؤتمر باندونغ:

لقد سعت الدّول الآسيويّة إلى تشكيل منظمة إقليميّة تقوم على جمعها، حيث عقدت مؤتمر العلاقات الآسيوية في نيودلهي في عام 1943، إلا أن اختلاف وجهات النظر بين الوفود حال دون تشكّل هذه المنظمة، ثم ما لبثت الهند وباكستان وإندونيسيا إلى أن قاموا بالدعوة لعقد مؤتمرٍ في مدينة باندونغ، فقد اتسعت قاعدة عضويته لوفودٍ أفريقية وآسيويّة، حيث بدأ المؤتمر في 18 إبريل من عام 1955. واستمر لمدة 6 أيام، فقد حضرته وفود 29 دولة.
كان هذا المؤتمر بمثابة نقطة الانطلاق الأولى لحركة عدم الانحياز، حيث ساد بين الحضور روح من التفاهم أطلق عليها روح باندونغ، غير أن مفهوم عدم الانحياز إلى أيّ من القوتين العَظميين لم يكن في حدّ ذاته هو المعيار الموجود مع هذهِ الوفود، إذ كان بينها بعض الدّول التي ترتبط بتحالفاتِ وَثيقة مع الولايات المتّحدة، أو الاتَحاد السوفيتي.
كانت هناك الصين  الذي كانت ذات ارتباط وثيق كبير بالاتحاد السوفيتي، أيضاً اليابان ذات الولاء للولايات المتّحدة، مع تراشق الاتهامات الحادّة بين بعض الوفود المشاركة، خاصّة بين الصين وباكستان حول تزايد الخطر الشيوعي، حيث أكد للوفود أهميّة وضرورة عدم الانحياز لأيّ قوة من القوتين، فهو ما يفسّر أعمال دعوة بعض الدول المرتبطة بتحالفات مع المعسكر الشيوعي أو الرأسمالي للحضورِ في مؤتمر بلغراد سنة 1961.

حركة عدم الانحياز:

إن تسمية عدم الانحياز ترجع إلى خطاب ألقاه نهرو في أبريل من عام 1955، حيث رأى في عدم الانحياز هوية مستقلة ودوراً إيجابي نشط، ليس موقف سلبي إزاء التكتلات الخارجيّة. مع امتداد النصف الثاني من الخمسينيات لقد تبلورت لحركةِ عدم الانحياز قيادة ثلاثيّة ضمّت كلّ من: نهرو والرئيس اليوغسلافي تيتو وجمال عبد الناصر، حيث استفادت هذه القيادات من تصدرها لحركةِ عدم الانحياز في خدمةِ تطلعاتها القوميّة.
الرئيس تيتو فقد وجد في الحركة عنصر مؤازر له بعد قطيعته مع الاتحاد السوفيتي، أما بالنسبة للرئيس نهرو فقد وجد فيها عوناً له في مواجهة التهديدات الصينيّة، أيضاً ضغوط الأحلاف العسكريّة الأمريكيّة في آسيا. أما بالنسبة للرئيس عبد الناصر فقد كان يحتاج إلى مساندة عالميّة له، أثناء صعوده إلى السّلطة خاصّة أنه كان حديث عهد فيها يضمن له استقلال مصر.

نتائج مؤتمر باندونغ:

لقد نتج عن مؤتمر باندونغ توطيد العلاقات الشخصيّة بين بعض زعماء الدّول الحاضرة، فقد كان باندونغ أول رحلة للرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد نجاح ثورة يوليو خارج مصر، حيث توطدت العلاقات بينه وبين الزعيم الهنديّ نهرو.


شارك المقالة: