كيف يتم التمييز بين القانون الدولي العام عن غيره من القوانين والقواعد؟

اقرأ في هذا المقال


العلاقة بين القانون الدولي العام والقانون الداخلي:

اختلف الفقه في تحديد علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي، فقد حاول الفقه الدولي أن يحدد طبيعة العلاقة بينهم، من خلال نظريتين هما:

النظرية الأولى: نظرية ثنائية القانون أو نظرية ازدواجية القانون

وهي نظريّة تستند إلى النظريات الإرادية أي أنها تستبعد هذه النظرية وجود علاقة أو تداخل بين القانون الدولي والقانون الداخلي؛ لأنهما بالنسبة لهذه النظرية نظامين قانونيين منفصلين ومستقلين عن بعضهم، بسبب وجود عدد من الاعتبارات أهمها:

اختلاف مصدر كل منهما: حيث أنّ مصدر القانون الدولي هو الرضا المشترك لدولتين أو اكثر. بينما مصدر القانون الداخلي هو إرادة الدولة المطلقة أي الدولة المنفردة.

اختلاف موضوع كل منهما: حيث أن موضوع القانون الدولي هو علاقة الدول ببعضها. بينما موضوع القانون الداخلي هو علاقة الأفرد.

اختلاف بنية وطبيعة كل منهما: حيث أن طبيعة القانون الدولي لا يتكون من سلطات. بينما القانون الداخلي يتكون من ثلاثة سلطاتالسلطة التنفيذية، السلطة القضائية، السطة التشريعية ولكل منهما وظيفة معينة يحددها الدستور.

اختلاف الأشخاص المخاطبين: حيث قواعد القانون الدولي تخاطب أشخاص القانون الدولي. بينما قواعد القانون الداخلي تخاطب الأفراد والجماعات الخاصة.

اختلاف النشأة: حيث نشأ القانون الدولي في منتصف القرن السادس عشر وتعتبر نشأته حديثة. بينما القانون الداخلي أقدم وأسبق في الوجود.

النتائج المترتبة على نظرية ثنائية القانون:

  1. استحالة قيام تنازع بين القانونين؛ لاختلاف دائرة نفاذ كل منهما.
  2. لا تتمتع القاعدة القانونية الدولية والداخلية القوة الإلزامية من القانون الآخر.
  3. لا يمكن تطبيق قواعد القانون الداخلي في إطار القانون الدولي إلا إذا تحوّلت لقواعد دولية، والعكس صحيح باستثناء حالتين إما بالدمج أو الإحالة.

النظرية الثانية: تسمى نظرية وحدة القانون

تقضي هذه النظرية بأن قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الداخلي كلاً منهما لا يتجزأ عن الآخر، فالقانون الدولي العام ما هو إلا جزء من قانون الدولة، يختص بتنسيق علاقاتها مع الدول الأخرى فسلطانه لذلك كسلطان القانون الداخلي، فيرى أصحاب هذه النظرية أن القانون الدولي والداخلي يشكلان نظاماً قانونياً واحداً فلا يمكن فصلهما.

انقسم فقهاء هذه النظرية حول أي القانونين يسمو في حالة التنازع:

القسم الأول يرى بأن القانون الدولي يسمو على القانون الداخلي: فيرى أصحاب هذا الرأي من الفقهاء بأن القانون الداخلي مشتق من القانون الدولي وعليه فإن القانون الدولي هو الأصل والقانون الدولي هو الاستثناء والقاعدة أن الأصل يسمو على الاستثناء، وحجتهم على ذلك أن القانون الدولي هو الذي يُعنى برسم حدود الاختصاص الإقليمي الشخصي لكل دولة، وأن سيادة الدولة تحكمها الاتفاقيات الدولية. ولكنّه انتُقد هذا الرأي من خلال أنه ينكر هذا الاتجاه ما هو قائم بين القانونين من اختلافات في عدة مجالات، وأيضاً أنه يخالف الحقائق التاريخية الثابتة التي تؤكد أن القانون الداخلي أقدم وأسبق من القانون الدولي فكيف للأقدم أن يشتق من الأحدث؟.

القسم الثاني يرى بأن القانون الداخلي يسمو على القانون الدولي: فيرى أصحاب هذا الرأي من الفقهاء بأن القانون الدولي مشتق من القانون الداخلي وليس العكس وعليه سمو القانون الداخلي على القانون الدولي كون القانون الداخلي أقدم وأسبق من القانون الدولي، فالقاعدة أن الأصل يسمو على الاستثناء، وحجتهم على ذلك أن المعاهدة الدولية تستمد قوتها الإلزامية من الدستور الوطني للدولة وفي حالة التعارض فإن الأولوية في التطبيق يتوجب أن يكون لدستور الدولة كونه الأعلى والأسمى وأساس الإلتزام. وأيضاً وُجه لهذا الرأي انتقادات وهي أن ربط المعاهدات بالدستور أمر يجافي الواقع ويخالفة فلو أن المعاهدة تستند الى الدستور وحده لكانت غير ملزمة في حال تغير أو استُبدل الدستور.

العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي في مجال التطبيق العملي:

لا تغلب أي نظرية على الأخرى إنما يأخذ بفكرتي الاتصال والانفصال حيث القانون الدولي والقانون الداخلي ليسا وحدة واحدة وليسا نظامين قانونيين منفصلين تماما عن بعضهما.

موقف القضاء الدولي من العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي: لم ينص ميثاق الامم المتحدة على سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، لكنه أشار في أكثر من موضع الى أهمية احترام الإلتزامات الدولية، وأكدت أيضًا إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بعام 1969 على أهمية احترام المعاهدات الدولية وضرورة تنفيذها بحسن نية وأشارت الى عدم جواز مخالفة أي قاعدة آمرة إلا بقاعدة آمرة اخرى.

استقرت الكثير من أحكام المحكمة الدولية على سمو القاعدة القانونية الدولية على القاعدة القانونية الداخلية، وإلى وجوب تحمل الدولة المسؤولية الدولية في حال إخلالها بقواعد القانون الدولي أو تهربها من تنفيذ التزامها، وأيضًا لا يجوز للدولة الاحتجاج بتشريعاتها الداخلية لتهرب من تنفيذ التزاماتها الدولية.

مواقف الدول من علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي:

في حالة النزاع يُرجع إلى دستور الدولة لمعرفة ما هي القاعدة التي تسمو: فمثلاً دولة (فرنسا،ألمانيا،هولندا) تعطي المعاهدات الدولية مرتبة أعلى من الدستور، وهناك دول تعطي المعاهدات الدولية نفس مرتبة الدستور مثل (بريطانيا،إيطاليا،أمريكا)، وهناك دول تجعل القانون الدولي جزء من القانون الداخلي مثل (الأردن، ألمانيا، النمسا، مصر، عُمان، البحرين، اليابان، إيرلندا، الدنمارك، تركيا، النروج)، وهنالك دول تجعل السمو للقانون الداخلي مثل (المغرب)، حيث ينص الدستور المغربي صراحة على عدم جواز عقد معاهدة أو التوقيع عليها إذا كانت تخالف نص دستوري صريح.

علاقة القانون الدولي العام بالقانون الدولي الخاص:

القانون الدولي الخاص: هو عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد القانون الواجب التطبيق والمحكمة المختصة في علاقة قانونية مشوبة بعنصر أجنبي وتحدد.

يقترب القانون الدولي العام من القانون الدولي الخاص من خلال ما يلي:

  • إن القانون الدولي الخاص ينظّم الاختصاص القضائي للدولة فيجوز للمحاكم الوطنية أن تنظر في بعض القضايا التي تتضمن عنصراً أجنبياً.
  • كما تنص قواعد القانون الدولي الخاص على ضرورة مراعاة القانون الدولي العام عند تطبيقها؛ ففي حال التعارض بين قاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص مع قاعدة في القانون الدولي العام، فإن الحل يكون بتطبيق القانون الدولي العام.

أوجه الاختلاف بين القانون الدولي العام والقانون الدولي الخاص:

  • أشخاص القانون الدولي العام هم (الدول، المنظمات الدولية)، بينما أشخاص القانون الدولي الخاص هم (الأفراد).
  • قواعد القانون الدولي العام موحدة أي أنها تحكم جميع أو أغلبية الدول، بينما القانون الدولي الخاص تختلف من دولة إلى أخرى.
  • موضوعات القانون الدولي العام تختلف عن موضوعات القانون الدولي الخاص، حيث أن القانون الدولي العام ينظم العلاقات بين الدول في حالتي السلم والحرب، أما القانون الدولي الخاص فإنه ينظم العلاقات بين الدول والأفراد أو بين الأفراد ببعضهم كالجنسية ودخول الأجانب.
  • أساس القوة الملزمة للقانون الدولي العام تتمثل في إرادة الدول، بينما أساس القوة الملزمة في القانون الدولي الخاص تتمثل في إرادة الدولة.
  • القانون الدولي العام يصدر بإرادة الدول الضمنية أو الصريحة، من خلال العرف أو المعاهدات، بينما القانون الدولي الخاص يصدر من السلطة التشريعية للدولة.
    علاقة القانون الدولي العام بالقانون الدولي الخاص: بأن القانونين ينظمان العلاقات والأوضاع الدولية، لكن ما يميزهم هو أن القانون الدولي الخاص يتعلق بالأوضاع الخاصة بأفراد الدول المختلفة، بينما القانون الدولي العام يتعلق بعلاقات الدول ويهتم بأوضاع الدول بشكل عام.

علاقة القانون الدولي العام بالقواعد الأخرى:

علاقة القانون الدولي العام مع قواعد المجاملات الدولية:

قواعد المجاملات الدولية: هي مجموعة القواعد التي اعتدت عليها الدول لتسيير العلاقات الدولية الودية وهي مظهر من مظاهر الصداقة والاحترام المتبادل بين الدول.

ما يميز قواعد القانون الدولي عن قواعد المجاملات الدولية، (الإلزامية) فقواعد االقانون الدولي ملزمة أما قواعد المجاملات الدولية لا تعد ملزمة فلا يترتب على مخالفتها مسؤولية دولية. ولكن قد تصبح قواعد المجاملات الدولية ملزمة عندما تشعر الدول بأهميتها مثل قواعد حصانات الدبلوماسيين كانت قواعد مجاملات ثم عُرفاً دولياً ثم قننت ودونت.

وتتشابه قواعد المجاملات الدولية مع قواعد القانون الدولي العام في أنهما ينظمان العلاقات الدولية، غير أنهما يختلفان في المسؤولية الدولية، حيث يترتب على مخالفة القانون الدولي العام قيام المسؤولية الدولية التي حددتها المعاهدات الدولية والعرف الدولي. أما عند قيام دولة بمخالفة قاعدة من قواعد المجاملات فلا يترتب أي مسؤولية دولية بل يدفع الطرف الآخر الى أن يقابله بالمثل، فمصدر رغبة الدول للتعبير عن موافقتها تكون بإرادة الدولة.

علاقة القانون الدولي العام مع الأخلاق الدولية:

الأخلاق الدولية: مجموعة من المبادئ والقيم االإنسانية التي تهم الرأي العام الدولي كتقديم المساعدات الاقتصادية والطبية وتقديم الإغاثة لشعب دولة يعاني من منحة كانتشار وباء أو أمراض أو حدوث كوارث طبيعية أو حرب، فهي عبارة عن مبادئ مستمدة من الضمير الإنساني وقيم الشهامة والمروءة. وهي أقل مرتبة من المجاملات الدولية.

تتفق الأخلاق الدولية مع قواعد القانون الدولي العام من جهة أنها تتعلق بتنظيم العلاقات بين الدول، ولكنها تختلف عنه من جهة أنها غير ملزمة فلا يترتب على مخالفتها قيام المسؤولية الدولية، ولا حتى الاحتجاج أو المقابلة بالمثل من قبل الدولة كما في المجاملات الدولية. وقد تصبح قواعد الأخلاق الدولية ملزمة مثل قواعد حماية ضحايا النزاعات المسلحة من مرضى وجرحى وأسرى.



شارك المقالة: