كان لنجاح البرتغال في الوصول إلى الهند شرقاً نتيجتان مباشرتان، أولاً: أنه ما دامت كروية الأرض حقيقة فمن الممكن الوصول إلى الهند غرباً، ثانياً: أن عدوى الكشف انتقلت مباشرة إلى جارتها إسبانيا، ولكن إسبانيا لم تكن بسواحلها موقعها دولة بحرية، بحيث لم يكن الشعب الإسباني شعب بحري بقدر ما كان شعب رعاة وفرسان، وتقول الدراسات أن الكشوفات الإسبانية قام بها اثنان من غير الإسبان وهما: ” كولمبس الجنوى” و “ماجلان البرتغالي”.
الكشوفات الإسبانية في الغرب:
إن وضع إسبانيا سواءً كان في الداخل او في الاستعمار عبر البحار يشبه بالنسبة للبرتغال وضع الرومان بالنسبة لليونان حجماً وقوة، ومن حيث التوجيه البحري والترتيب الزمني ومن حيث نوع الاستعمار وعلاقة المصير، وقد خرجت الإسبان إلى الكشف مغربة في المحيط الأطلسي، ونلاحظ من ذلك أنها عكس اتجاه البرتغال في الكشف، وقد عكس مواقعها النسبية داخل الدولة، وليس من المؤكد بأن إسبانيا أول من غامر في الأطلس، فهناك أدلة على محاولة شعوب “النورس” قد وصلوا من اسكندنافيا إلى جرينلاند وأقصى بقاع أمريكا الشمالية في العصور المظلمة.
كما أن هناك روايات تقول أن عرب الأندلس أنهم خرجوا من البرتغال إلى أمريكا الجنوبية، وهناك أيضاً بعض النظريات الصينية تقول بأن الصينيين سبقوا كولومبس إلى العالم الجديد عبر المحيط الهادي، إلا الدراسات تقول أن الاكتشاف الصيني لا تاريخ له، وبذلك ينسب اكتشاف أمريكا إلى إسبانيا، وقد كان للرياح دور كبير في توجيه وتوقيع الكشوفات والاستعمار الإسباني، فقد اتخذت رحلة الذهاب مساراً متعقماً نحو الجنوب والتي تحملها الرياح التجارية الشمالية الشرقية الدائمة.
بينما كانت رحلة العودة تأخذ مساراً أكثر شمالية بكثير لتستفيد من عملية الرياح العكسية الغربية، ورغم أن كولومبس لم يعرف قط بوجود أمريكا الشمالية، إلا أن من المؤكد أن جزر الهند الغربية أول من دخلها هم الإسبان، فكان لصغرها وتفتتها دور كبير في جعلها فريسة سهلة لهم وسهل الاستيلاء عليها، شأنها شأن باقي الجزر المماثلة، ومن ثم توسع الإسبان في كشوفاتهم حتى وصلوا إلى أمريكا الوسطى ومن ثم إلى هضبة المكسيك حتى وصلوا فلوريدا وكاليفورنيا، ومن أمريكا الوسطى وصلوا إلى برزخ بنما إلى الهادئ، ومن ثم تمددوا نحو طول ساحل أمريكا الجنوبية الغربي، إلا أنهم أهملوا شرق أمريكا الجنوبية المنخفض.
كما أنهم لم يهتموا إلا متاخراً بالأرجنتين، وبهذا يرسم تقدمهم في أمريكا الجنوبية قوساً هلالياً عكس عقارب الساعة، يبدأ من جزر الهند ثم يتبع المرتفعات الغربية إلى أن ينتهي في سهول الأرجنتين، وقد حدثت تلك الأحداث كلها قبل منتصف القرن السادس عشر ميلادي، وفي الواقع أن الهيكل الأساسي لكل الإمبراطورية الإسبانية في أمريكا اللاتينية تم وضعه في ربع قرن فقط وهذا يعتبر معدل مذهل، حيث أن سكان إسبانيا وقتها لم يتعدى ستة مليون نسمة مقابل اثني عشر مليون من الهنود الحمر.
وفي أوج الاستعمار الإسباني لم تقل المساحة التي خضع له نصف العالم الجديد، والذي كان يعادل مساحة إسبانيا عشر مرات، وهناك عدة عوامل ساعد العامل الجغرافي حيث أنه هناك تشابه جغرافي ومناخي بين هضاب أمريكا وهضاب إسبانيا؛ ممّا ساعد على تسهيل عملية الانتشار وسرعة التمدد، كما أنه نفس هذا العامل الطبيعي كان له دور كبير في عدم توغل الإسبان كثيراً في أمريكا الشمالية.
فهذا يبدأ وسط بيئي ومناخي مختلف كثيراً عما قام الغزاة المتوسطيين، وبالتالي كان للطبيعة دور كبير في الحد من الاستعمار السياسي الإسباني، وإذا كان هذا قد وصل إلى أعماق مذكورة في أمريكا الشمالية، إلا أن هذا جاء متاخراً وانحصر مبكراً، ومع كشف العالم الجديد كان لا بد من تنسيق السيادة بين إسبانيا والبرتغال، فنالت إسبانيا في تحكيم البابوية في معاهدة “تورديسيلاس”، كل ما يكشف في نصف الكرة الغربي والبرتغال كل ما يكشف في نصفها الشرقي، وقد جعلت تلك المعاهدة من البرازيل من نصيب البرتغال.
بينما أصبح بقية الأراضي في أمريكا الوسطى والشمالية إمبراطورية إسبانية ضخمة مع أن البرتغال كانت أكبر بكثير، وهكذا خرجت إسبانيا والبرتغال من أمريكا وقد التقتا مرةً أخرى في الشرق الأقصى، حيث عملت إسبانيا على بناء استعمالاتها في الفلبين، بينما قامت البرتغال ببناء مستعمراتها في جزر الهند الشرقية غرباً، وبذلك أصبحت الإمبراطورية البرتغالية تمتد من الأنديز في الغرب إلى جزر الهند الشرقية، أما إمبراطورية إسبانيا فقد امتدت من الأنديز وجزر الهند في الغربية في الشرق إلى الفلبين في الغرب.