فترة حكم محمد الأول ومراد الثاني

اقرأ في هذا المقال


الأمبرطوريّة العثمانيّة في عهد محمد الأول ومراد الثاني:

تحت حكم محمد الأول (1413–1421) ومراد الثاني (1421–1451) ، كانت هناك فترة جديدة من التوسع تمت فيها استعادة إمبراطوريّة بايزيد وإضافة مناطق جديدة، أعاد محمد نظام التبعيّة في بلغاريا وصربيا، ووعد بأنّه لن يقوم بفتوحات أوروبيّة جديدة.


اضطر مراد الثاني أيضًا إلى تكريس معظم السنوات الأولى من حكمه للمشاكل الداخليّة، ولا سيما جهود قادة الغازي وأمراء البلقان التابعين في أوروبا، وكذلك التابعين التركمان والأمراء في الأناضول، للاحتفاظ بالحكم الذاتي و – في بعض المناطق – الاستقلال الذي تمّ الحصول عليه خلال فترة إنتقال العرش.


في (1422-1423) قمع مراد مقاومة البلقان ووضع القسطنطينيّة تحت حصار جديد لم ينته إلّا بعد أن قدّم له البيزنطيّون مبالغ ضخمة من الجزية، ثم أعاد الحكم العثماني في الأناضول وقضى على جميع الإمارات التركمانيّة التي خلفها تيمور، باستثناء كرمان وكندار (جندر)، والتي تركها مُستقلة على الرغم من كونها تابعة حتى لا تثير مخاوف مُتجددة من خلفاء تيمور في الشرق.


افتتح مراد بعد ذلك الحرب العثمانية الأولى مع مدينة البندقيّة (1423-1430)، التي حافظت على علاقات ودية مع السلاطين من أجل تطوير موقف تجاري قوي في المناطق الخاضعة للسيطرة العثمانيّة لكنّها قبلت سالونيك (سالونيك حاليًا، سالونيك، اليونان) من بيزنطة من أجل منع التوسع العثماني عبر مقدونيا إلى البحر الأدرياتيكي، شريان الحياة للتجارة مع بقية العالم.


كانت الحرب غير حاسمة لبعض الوقت، تمّ تحويل البندقية بسبب الصراعات في إيطاليا، وعلى أي حال كانت تفتقر إلى القوة لمقابلة العثمانيين على الأرض، بينما احتاج العثمانيّون إلى وقت لبناء قوة بحريّة كافية للتنافس مع تلك الموجودة في البندقيّة.


بالإضافة إلى ذلك، تم تحويل مراد من خلال جهد المجر لتأسيس حكمها في والاشيا (منطقة في رومانيا)، بين نهر الدانوب وجبال الألب الترانسيلفانيّة، وهي الخطوة التي أطلقت سلسلة من النزاعات العثمانيّة المجريّة التي احتلت معظم ما تبقى من حكمه.


قام السلطان مراد أخيرًا ببناء أسطول قوي بما يكفي لمُحاصرة سالونيك وتمكين جيشه من احتلالها، في عام (1430) أدت الغارات البحريّة العثمانيّة اللاحقة ضد موانئ البندقية في البحر الأدرياتيكي وبحر إيجة إلى إجبار البندقية في عام (1432) على تحقيق سلام تخلت فيه عن جهودها لمنعها تقدم العثمانيّون إلى البحر الأدرياتيكي، لكن سُمح لهم بأن يصبحوا القوة التجاريّة الرائدة تحت سيطرة السلطان.


مراد، الذي اعتلى العرش من قبل الوجهاء الأتراك الذين انضموا إلى الدولة العثمانيّة خلال القرن الأول من وجودها، سرعان ما بدأ بالاستياء من السلطة التي حصلوا عليها في المقابل، كما تعززت قوة هؤلاء الأعيان من خلال العقارات الجديدة العظيمة التي بنوها في المناطق المحتلة في أوروبا والأناضول.


ومن أجل الحد من سلطتهم، بدأ في بناء قوة من الجماعات غير التركية في خدمته، ولا سيما تلك المؤلفة من العبيد المسيحيّين والمتحولين إلى الإسلام، والذين تمّ تنظيم ذراعهم العسكريّة في منظمة مشاة جديدة تسمّى الإنكشاريّة (Yeniçeri ؛ ” قوة جديدة “).


ومن أجل تعزيز الإنكشاريّة، بدأ مراد في توزيع معظم فتوحاته الجديدة على أعضائها، ولإضافة مؤيدين جدد من هذا النوع، طور نظام دوشيرمة الشهير، والذي تمّ بموجبه تجنيد الشباب المسيحي من مقاطعات البلقان وتحويل ديانتهم إلى الإسلام و تكريس حياتهم في خدمة السلطان.


ازدادت أعداد الأنكشاريين وزادت عائداتهم، حقق الرجال الديموغرافيّون وأنصارهم قوة سياسيّة كبيرة، ولأنّ الفتوحات الأوروبيّة الجديدة كانت تُستخدم من قبل السلطان لبناء ديشيرم، فقد أرادوا أنّ تستمر الفتوحات وتتوسع، بينما عارض الأعيان الأتراك المزيد من الفتوحات، الذين تضاءلت قوتهم بسبب تزايد مكانة الإنكشاريّة والدوشيرمة.


أراد مراد العودة إلى السياسات العسكريّة للتوسع الأوروبي من أجل مُساعدة دوشيرمة على تقليص نفوذ الأعيان الأتراك، وجدد الصراع مع المجر في صربيا ووالااشيا في عام (1434)، مُستغلًا وفاة الملك المجري سجسمند في (1437)، لإعادة احتلال صربيا (باستثناء بلغراد) وتدمير جزء كبير من المجر.
قام السلطان مراد بضمّ صربيا في عام (1439)، وبدأ سياسة استبدال التابعين بالحكم العثماني المباشر في جميع أنحاء الإمبراطوريّة، أصبحت السيطرة المجريّة على بلغراد العقبة الرئيسية أمام التقدم على نطاق واسع شمال نهر الدانوب.


فشلت الهجمات العثمانية على بلغراد والغارات على ترانسيلفانيا في تحريك المجريين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قيادة يانوس هونيادي، الذي كان في الأصل زعيمًا لمقاومة فالاتشيا الحدودية للغاز في (1440-1442).


على الرغم من أنّ مراد هزم هونيادي أخيرًا في معركة زلاتيكا (إيزلادي) في عام (1443)، إلا أنّ التأثير المتزايد للأعيان الأتراك في بلاط مراد دفع السلطان للموافقة على صلح أدرنة في عام (1444)، وبموجب شروطها استعادت صربيا استقلالها، احتفظت المجر بوالشيا وبلغراد، ووعد العثمانيّون بإنهاء غاراتهم شمال نهر الدانوب.


في عام (1444)، أبرم السلطان مراد أيضًا السلام مع عدوه الأناضولي الرئيسي، كرمان، وتقاعد في حياة التأمل الديني، وتنازل عن العرش إلى ابنه الصغير محمد الفاتح، أظهر السلطان محمد بالفعل الصفات القياديّة التي كانت تميز عهده الطويل، رغم أنّه اعتمد في ذلك الوقت بشكل أساسي على أنصار دوشيرمة للحصول على المشورة والمساعدة.


سعى البيزنطيّون والبابا أوجينيوس الرابع إلى استغلال الفرصة التي أوجدها حكم السلطان الشاب محمد الثاني وعديم الخبرة لطرد العثمانيّين من أوروبا، وتنظيم حملة صليبيّة جديدة – انضمت إليهم المجر والبندقيّة – بعد أن أكّد لهم البابا أنّهم غير ملزمين باحترام معاهدة السلام التي وقعوها مع المسلمين.


تحرك جيش صليبي عبر صربيا عبر جبال البلقان إلى البحر الأسود في فارنا، بلغاريا، حيث كان من المقرر أن يتم تزويده ونقله إلىمعركة فارنا بواسطة أسطول فينيسي يبحر عبر المضائق، بينما يستخدم قوته لمنع السلطان مراد من العودة من الأناضول مع الجزء الأكبر من الجيش العثماني.


على الرّغم من وصول الصليبيين إلى فارنا، فقد تقطعت بهم السبل بسبب قرار صربي بالبقاء موالين للسلطان وإحجام البندقية عن الوفاء بالجزء الخاص بها من الاتفاقية خوفًا من فقدان مركزها التجاري في حالة انتصار العثمانيّين.


أعطت الخلافات الأخرى بين قادة الحملة الصليبيّة لمراد وقتًا للعودة من الأناضول وتنظيم جيش جديد، أنهى الانتصار التركي في معركة فارنا في (10) نوفمبر (1444) آخر حملة صليبيّة أوروبية مهمّة ضد العثمانيّين.


استعاد مراد العرش وأعاد سلطة الحزب الديموغرافي، الذي دفعته مطالبه الملحة للفتح إلى قضاء ما تبقى من فترة حكمه في القضاء على التابعين وإقامة حكم مُباشر في الكثير من تراقيا ومقدونيا وبلغاريا واليونان.


في هذه العمليّة قام بتقسيم الأراضي المُكتسبة حديثًا إلى عقارات، وزادت عائداتها من قوة دوشيرمة على حساب الأعيان الأتراك، فقط ألبانيا كانت قادرة على المقاومة، بسبب قيادة بطلها القومي سكاندربج (جورج كاستريوتي)، الذي هزمه السلطان أخيرًا في معركة كوسوفو الثانية (1448).


بحلول وقت وفاة مراد عام (1451)، كانت حدود نهر الدانوب آمنة، وبدا أنّ الإمبراطوريّة العثمانيّة تأسّست بشكل دائم في أوروبا، في حين أنّ الانتصار في فارنا جلب قوة جديدة إلى الحزب الديشيرمي، كان الوزير الأكبر (كبير مستشاري السلطان) كاندارلي خليل باشا قادرًا على الاحتفاظ بمكانة مُهيمنة للأعيان الأتراك، الذين قادهم من خلال الاحتفاظ بثقة السلطان وبواسطة ذلك نجح في تقسيم خصومه.


لذلك أصبح الأمير محمد مرشحًا لتولي العرش، ولم يتمكنوا من تحقيق القوة السياسيّة والعسكريّة التي أتاحتها القاعدة الماليّة التي أقيمت خلال العقدين الماضيين إلّا بعد توليه المنصب.


شارك المقالة: