يدرس علم النفس العقل والسلوك؛ وفقاً لجمعية علم النفس الأمريكية يشمل علم النفس جميع جوانب التجربة الإنسانية، من وظائف الدماغ إلى أفعال الدول ومن نمو الطفل لرعاية المسنين، كما يعمل علماء النفس والأطباء النفسيون معاً لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من حالات الصحة النفسية لكنهم ليسوا متشابهين تماماً؛ يعالج طبيب نفساني المريض من خلال العلاج النفسي مما يساعد على تخفيف الأعراض من خلال تغيير السلوك، يركز دور الطبيب النفسي وهو طبيب بشكل أكبر على وصف الأدوية والتدخلات الأخرى لإدارة حالات الصحة العقلي
تاريخ علم النفس:
في سياق فلسفي كان يوجد تاريخ لعلم النفس منذ حوالي آلاف السنين في اليونان القديمة ومصر والهند وبلاد فارس والصين، في عام 387 قبل الميلاد اقترح أفلاطون أنّ الدماغ هو المكان الذي تحدث فيه العمليات العقلية، في عام 335 قبل الميلاد اقترح أرسطو أنه القلب، ابن سينا الطبيب المسلم الشهير المولود عام 980 بعد الميلاد، درس علاج الصرع والكوابيس وضعف الذاكرة، قيل إن أولى المستشفيات التي تعالج الحالات النفسية قد أنشأها أطباء إسلاميون في العصور الوسطى.
في عام 1774 اقترح فرانز ميسمر أن التنويم المغناطيسي أو السحر، قد يساعد في علاج بعض أنواع الأمراض العقلية، في عام 1793 أطلق فيليب بينيل سراح أول المرضى الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية من الحبس في خطوة تشير إلى تحرك نحو علاج أكثر إنسانية، في عام 1879 أسس فيلهلم فونت علم النفس كمجال تجريبي مستقل للدراسة، كما أنشأ أول مختبر أجرى البحوث النفسية حصرياً في جامعة لايبزيغ، يُعرف Wundt اليوم بأب علم النفس.
في عام 1890 نشر الفيلسوف الأمريكي ويليام جيمس كتاب بعنوان مبادئ علم النفس، نوقش من قبل علماء النفس في جميع أنحاء العالم لعدة عقود، في نفس العام أصدرت ولاية نيويورك قانون رعاية الدولة؛ حيث كان على الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية مغادرة منازلهم الفقيرة ودخول المستشفى لتلقي العلاج، في عام 1890 تأسست الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) تحت قيادة ستانلي هول، كان هيرمان أبينجوس أول عالم نفسي يدرس الذاكرة على نطاق واسع.
أجرى إيفان بافلوف التجربة الشهيرة التي أظهرت أن الكلاب تسيل لعابها عندما تتوقع الطعام مقدِّماً مفهوم “التكييف”، كما قدم النمساوي سيغموند فرويد مجال التحليل النفسي وهو نوع من العلاج النفسي، حيث استخدم طرق تفسيرية واستبطان وملاحظات إكلينيكية لفهم العقل، أيضاً ركز على حل الصراع اللاواعي والضيق العقلي وعلم النفس المرضي، جادل فرويد بأن اللاوعي كان مسؤولاً عن معظم أفكار الناس وسلوكياتهم وعن مشاكل الصحة العقلية.
في عام 1913 أسس عالم النفس الأمريكي جون واتسون حركة جديدة غيرت تركيز علم النفس، كما جادل بأن السلوك ليس نتيجة عمليات عقلية داخلية ولكنه نتيجة لكيفية استجابتنا للبيئة، ركزت السلوكية على كيفية تعلم الناس سلوك جديد من البيئة، أما الإنسانيون فنظروا إلى النظرية السلوكية والتحليل النفسي على أنها غير إنسانية للغاية، بدلاً من أن نكون ضحايا البيئة أو اللاوعي، اقترحوا أن البشر جيدون بالفطرة وأن عملياتنا العقلية تلعب دور نشط في سلوكنا، تضع الحركة الإنسانية قيمة عالية على المشاعر والإرادة الحرة والنظرة الذاتية للتجربة.
يعتقد المنظرون المعرفيون أننا نأخذ المعلومات من بيئتنا من خلال حواسنا ثم نعالج البيانات عقلياً عن طريق تنظيمها ومعالجتها وتذكرها وربطها بالمعلومات التي قمنا بتخزينها بالفعل، يتم تطبيق النظرية المعرفية على اللغة والذاكرة والتعلم والأنظمة الإدراكية والاضطرابات العقلية والأحلام، اليوم وفي الوقت الحاضر يدرس علماء النفس كل هذه الأساليب ويختارون ما يبدو أنه الأفضل من كل نهج لحالة معينة.
أهم تجارب علم النفس:
تاريخ علم النفس مليء بالدراسات الرائعة وتجارب علم النفس التي ساعدت في تغيير الطريقة التي نفكر بها في أنفسنا والسلوك البشري، في بعض الأحيان كانت نتائج هذه التجارب مفاجئة للغاية لدرجة أنها تحدت الحكمة التقليدية حول العقل البشري والأفعال، في حالات أخرى كانت هذه التجارب مثيرة للجدل، بعض الأمثلة الأكثر شهرة تشمل تجربة طاعة ميلجرام وتجربة سجن زيمباردو.
تجارب القرد لهارلو ريسوس:
في بعض التجارب المهمة التي حدثت في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، قام عالم النفس هاري هارلو بإظهار التأثيرات القوية للحب على التطور الطبيعي من خلال ظهور الآثار التي دمّرت الحرمان على صغار القردة الريسوسية، كشف هارلو عن أهمية الحب لتنمية الطفولة الصحية، غالباً ما كانت تجاربه غير أخلاقية وقاسية بشكل صادم، لكنها كشفت عن حقائق أساسية أثرت بشدة على فهمنا لنمو الطفل.
في إحدى النسخ الشهيرة من التجارب تم فصل قرود الرضع عن أمهاتهم فور ولادتهم ووضعهم في بيئة حيث يمكنهم الوصول إما إلى قرد سلكي أم أو نسخة من الأم المزيفة مغطاة بقطعة قماش ناعمة، بينما كانت الأم السلكية توفر الطعام كانت أم القماش توفر النعومة والراحة فقط، وجد هارلو أنه في حين أن القرود الصغيرة كانت تذهب إلى أم السلك للحصول على الطعام، إلا أنها فضلت إلى حد كبير شركة الأم القماشية الناعمة والمريحة، أظهرت الدراسة أن الروابط الأمومية كانت أكثر بكثير من مجرد توفير الغذاء وأنّ الراحة والأمان يلعبان دور رئيسي في تكوين التعلق.
تجارب تكييف بافلوف الكلاسيكية:
تتم دراسة مفهوم التكييف الكلاسيكي من جميع طلاب علم النفس المبتدئ؛ لذلك من الغريب أن نعرف أنّ الرجل الذي كشف هذه الظاهرة لأول مرة لم يكن أحد علماء النفس، كان بافلوف يدرس بالفعل الجهاز الهضمي للكلاب عندما لاحظ أن رعاياه بدأوا يسيل لعابهم كلما رأوا مساعد مختبره، ما اكتشفه من خلال تجاربه هو أن بعض الاستجابات (سيلان اللعاب) يمكن تكييفها من خلال ربط منبه محايد سابق (المسرع أو الجرس) بمحفز يؤدي بشكل طبيعي وتلقائي إلى استجابة (طعام)؛ أثبتت تجارب بافلوف مع الكلاب التكييف الكلاسيكي.
تجارب مطابقة Asch:
لطالما اهتم الباحثون بالدرجة التي يتبعها الناس أو يتمردون عليها، خلال الخمسينيات من القرن الماضي أجرى عالم النفس سولومون آش سلسلة من التجارب المصممة لإثبات قوى التوافق في مجموعات، كشفت الدراسة أن الأشخاص معرضون بشكل مفاجئ للانضمام إلى المجموعة، حتى عندما يعرفون أن المجموعة مخطئة، في دراسات آش تم إخبار الطلاب أنهم يخضعون لاختبار الرؤية وطُلب منهم تحديد أي من الخطوط الثلاثة كان نفس طول خط الهدف.
عندما سئل الطلاب وحدهم كان الطلاب دقيقين للغاية في تقييماتهم، في تجارب أخرى اختار المشاركون الكونفدرالية عمداً الخط غير الصحيح؛ نتيجة لذلك قدم العديد من المشاركين الحقيقيين نفس الإجابة مثل الطلاب الآخرين موضحين كيف يمكن أن يكون للامتثال تأثير قوي ودقيق على السلوك البشري.
تجارب التكييف الفعالة من سكينر:
درس سكينر كيف يمكن تعزيز السلوك حتى يتكرر أو يضعف حتى يتم إخماده، قام بتصميم صندوق سكينر حيث يتم إعطاء حيوان غالباً ما يكون من القوارض، حبيبات طعام أو صدمة كهربائية، سوف يتعلم الجرذ أنّ الضغط على المستوى يؤدي إلى توصيل حبيبات الطعام، أو أن الجرذ سيتعلم الضغط على الرافعة لوقف الصدمات الكهربائية.
بعد ذلك قد يتعلم الحيوان ربط الضوء أو الصوت بالقدرة على الحصول على المكافأة أو إيقاف المنبهات السلبية بالضغط على الرافعة؛ علاوة على ذلك درس ما إذا كانت النسبة المستمرة والثابتة والفاصل الزمني الثابت والنسبة المتغيرة والتعزيز الفاصل المتغير أدى إلى استجابة أو تعلم أسرع.
تجارب طاعة ميلجرام:
في تجربة ميلجرام طُلب من المشاركين توصيل صدمات كهربائية إلى المتعلم كلما أعطيت إجابة غير صحيحة، في الواقع كان المتعلم حليف في التجربة وتظاهر بالصدمة، كان الغرض من التجربة هو تحديد إلى أي مدى كان الناس على استعداد للذهاب من أجل إطاعة أوامر شخصية ذات سلطة، وجد ميلجرام أن 65٪ من المشاركين كانوا مستعدين لتقديم أقصى مستوى من الصدمات، على الرغم من حقيقة أن المتعلم بدا في ضائقة خطيرة أو حتى فاقد للوعي.
تجربة ميلجرام هي واحدة من أكثر التجارب إثارة للجدل في تاريخ علم النفس، عانى العديد من المشاركين من ضائقة كبيرة نتيجة لمشاركتهم وفي كثير من الحالات لم يتم استخلاص المعلومات مطلقاً بعد انتهاء التجربة، لعبت التجربة دور في تطوير المبادئ التوجيهية الأخلاقية لاستخدام المشاركين من البشر في تجارب علم النفس.
تجربة سجن ستانفورد:
ألقت تجربة فيليب زيمباردو الشهيرة الطلاب العاديين بأدوار السجناء وحراس السجن، بينما كان من المقرر أصلاً أن تستمر الدراسة لمدة أسبوعين، إلا أنه كان لا بد من إيقافها بعد 6 أيام فقط؛ لأن الحراس أصبحوا مسيئين وبدأت السجناء تظهر عليهم علامات التوتر والقلق الشديد، تمت الإشارة إلى دراسة زيمباردو 7 الشهيرة بعد ظهور الانتهاكات في أبو غريب، يعتقد العديد من الخبراء أن مثل هذه السلوكيات الجماعية تتأثر بشدة بقوة الموقف والتوقعات السلوكية الموضوعة على الأشخاص الذين يؤدون أدوار مختلفة.