اللغة الإنجليزية والانتداب

اقرأ في هذا المقال


العلاقة بين الانتداب واللغة الإنجليزية:

يجادل البعض بأن إراقة وسفك الدماء عبر التاريخ وحتى وقتنا هذا قد ساعد في تحويل اللغة الإنجليزية إلى أداة عالمية للتواصل. فعبر قرون من الاستعمار، والانتداب وحتى الاحتلال، والتوسع في الحرب الباردة، والعولمة نشر الغرب أكثر أنظمته شهرة، وهي الرأسماليةوالديمقراطية والقيم الأخلاقية.

برز البريطانيون حتى بداية القرن العشرين، ولكن لم يدم هذا طويلاً فقد برز الأمريكيون وأصبحوا البلد والمصدر الرئيسي للنفوذ الأجنبي في جميع أنحاء العالم، فكان هذا واضحًا من مواقف بعض الدول، فيحاولون بأقصى جهودهم أن يتحالفوا مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لكونها أقوى دولة في العالم وبالتحالف هذا سيكون وضع الدولة المتحالفة معها سياسيًا جيد للغاية.

  ونتيجة لذلك يتم فصل اللغة الإنجليزية المعاصرة عن أي هوية ثقافية محددة؛ وذلك لأنها أداة تربط المجتمعات المختلفة في عالم صغير وبشكل متزايد في وقتنا هذا.

أول الشعوب التي تحدثت اللغة الإنجليزية:

كان البريطانيون هم أول من تحدث اللغة الإنجليزية في هذا العالم. فمنذ حوالي خمسمائة عام كان ما بين خمسة إلى سبعة ملايين شخص فقط يتحدثون هذه اللغة. في يومنا هذا يتحدث هذه اللغة ما يقارب 1.8 مليار شخص حول العالم، ومن المثير للاهتمام هو أن هذا اللغة ليست متحدثة فقط في الدول التي تعتبرها لغتها الأم، ولكن الكثير من الدول تعتبرها لغتها الثانية والمعظم الآخر يعتبرها اللغة الأجنبية، التي يبذلون قصارى جهدهم ليتحدثونها بشكل جيد.

انتشار اللغة الإنجليزية بفضل الانتداب:

لقد مهدت عمليات الإمبريالية العنيفة الطريق للوباء الثقافي الذي نشأ في الغرب. وحتى القرن التاسع عشر كان البريطانيون يعدون القوة العظمى والكبرى في الغرب وفي كل العالم. كان أسلوبهم في الاستعمار يشمل إنشاء مدارس تدرس اللغة الإنجليزية والثقافة الغربية للسكان المحليين الذين يحتاجون إلى تحدث هذه اللغة في نظرهم.

كما تستخدم معظم المستعمرات البريطانية السابقة الآن اللغة الإنجليزية كلغة رسمية، على سبيل المثال غاناوجنوب أفريقيا. فمنذ أن استعمرت الولايات المتحدة الأمريكية بورتوريكو بعد الانتصار في الحرب الإسبانية الأمريكية، لاحظ البعض غياب بورتوريكو أو كوبا في الحرب، أصبحت اللغات الرسمية في الجزيرة هي اللغة الإسبانية واللغة الإنجليزية.

أكثر اللغات تحدثا في العالم:

وفي يومنا هذا تعد اللغة الإنجليزية هي من أكثر اللغات تحدثا في العالم فهي تتصدر قائمة اللغات الثانية الأكثر تحدثًا في العالم. كما إنها تعد اللغة الإنجليزية ضرورة أساسية للدراسة في أرقى مؤسسات التعليم العالي وهي تذكرة للعمل في أي مكان في العالم تقريبًا، كما إنها تعتبر أداة تمكن من كسب العيش في أغنى الدول.

تواصل شعوب العالم باستخدام اللغة الإنجليزية:

لقد أصبح من المعتاد بالنسبة لغير الناطقين باللغة الإنجليزية التواصل مع غيرهم من المتحدثين باللغة الإنجليزية من غير الناطقين بهذه اللغة؛ إذا كانوا لا يتشاركون نفس اللغة الأم. على سبيل المثال، أمستردام مدينة يسكنها الآن جالية أجنبية كبيرة، يستخدم معظم المواطنين الإيطاليين والإسبان والصينيين الذين يعملون هناك اللغة الإنجليزية في المكتب للتواصل فيما بينهم وبين المواطنين الهولنديين.

وفي معظم الأوقات تدرس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية في المدارس الحكومية، ولكن هذا لا يخلق مستوى جيد لهم لإجادة عمل مناسب أو مستوى الدراسة الذي يطمحون إليه أو حتى استخدام هذه اللغة في الحياة اليومية. وتعتبر دراسة اللغة الإنجليزية في المدارس الخاصة أو في المراكز الخاصة وبرامج التبادل الصيفي في الخارج والمدارس الدولية باهظة الثمن وسيلة رائعة حتى تتمكن من تحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة. ولكن يبدو أن هذا النوع من العولمة يفيد الأغنياء فقط.

اللغة الإنجليزية وعلاقتها بالتجارة والعلوم:

ونظرًا لأن اللغة الإنجليزية أصبحت المعيار العالمي الجديد للأعمال التجارية والابتكار والعلوم على نطاق واسع، غالبًا ما يتم وضع لغات السكان الأصليين الغنية بالتراث الثقافي والتاريخ جانباً. على سبيل المثال، في بورتوريكو تعمل التجارة الدولية والنظام الاقتصادي والسياسي الغربي على إدارة الأعمال التجارية الصغيرة والتقاليد المحلية.

كما يدعي رافائيل تريليس، عضو حزب الاستقلال البورتوريكي، “لقد دمر الاستعمار ثقافة العمل لأفقر قطاعات سكاننا وخلق ثقافة التبعية للمجتمعات الغربية”. فيكرس الناس وقتهم ومواردهم لتعلم وإتقان وفهم ومعرفة للغة الإنجليزية بدلاً من الحفاظ على عاداتهم وثقافتهم.

أصبحت اللغة الإنجليزية أيضًا اللغة الرئيسية المستخدمة في العلوم، كما يستخدم الأطباء حول العالم اللغة الإنجليزية لتوصيل نتائج الفحوصات والدراسات التي يجرونها. فتتم كتابة معظم الأوراق البحثية باللغة الإنجليزية كوسيلة لتسهيل التعاون العلمي الدولي.

وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو ضرورة لتعزيز الاكتشاف العلمي، ولكن الفجوة الناتجة عن هذه الدراسات والبحوثات هي المشكلة؛ وذلك لأن هذا يساعد على تهميش لغتهم الأم. ولكن الباحثون والعلماء الذين لا يجيدون تحدث اللغة الإنجليزية لا يتم أخد دراساتهم على محمل الجد.

اللغة الإنجليزية والعولمة:

وبالإضافة إلى ذلك تقود عملية العولمة الناس إلى تصور مجموعة من الفرص ومستقبل أفضل بشكل كبير مرتبط باللغة الإنجليزية، فهذا يدل على أن اللغة الإنجليزية ليست مجرد أداة اتصال فهي أداة المجتمع المكونة لثقافته وتقاليده ومجموعات المعتقدات الدينية والأيديولوجية، فكل لغة لها فروق دقيقة تمثل أصلها.

ففي القدم تم استبدال اللغة الكينية الأصلية (Kiembu) باللغة الإنجليزية، وهذا يمكن مقارنته بتهميش تلك الثقافة المعينة. أوكوث أوكومبو، أستاذ في علم اللسانيات في جامعة نيروبي، يلخص هذا: “موت اللغة أشبه بحرق مكتبة”. ووفقًا لدراسة أجرتها منظمة اليونسكو، انقرضت حوالي 231 لغة في العالم، 37 منها نشأت في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتم استبدال هذه اللغات الأصلية باللغات الغربية التي فرضها المستعمرون.

إن انتصار وتصدر اللغة الإنجليزية في العلوم هو مجرد مثال واحد على مدى انتشار هذه اللغة، لقد اخترقت اللغة، والتي تعد أكثر جوانب المجتمع تأثيرًا في جميع أنحاء العالم.

نتائج العولمة على اللغة:

أدت العولمة إلى تشكيل عالم أكثر انقسامًا وتشتتًا، أي أولئك الذين يمكنهم التحدث باللغة الإنجليزية ولديهم إمكانية الوصول إلى الابتكار والاختراع مقابل أولئك الذين ليس لديهم مختلف الوسائل لتعلم اللغة، وبالتالي لا يتم إعارة دراساتهم أي اهتمام.

فإذا تم إعطاء الحفاظ على الثقافات الأخرى نفس الأهمية والقيمة التي يتلقاها نشر اللغة الإنجليزية حاليًا، يمكن أن تكون اللغة مجرد إضافة معرفية وليس بديلاً عن لغتنا، ولمجموعة الفروق الدقيقة للثقافة المتطورة بشكل طبيعي. كما توحي هذه العمليات بمضمون مقلق – العولمة هي ببساطة وسيلة “مقبولة اجتماعيًا” للإمبريالية ولا حاجة للعنف لنشرها.

في حين أن اللغة والثقافة الغربية تخترق جميع مجتمعات العالم الثالث على وجه الخصوص، فإن الغرب يتمتع بنفوذ اقتصادي وسياسي وثقافي كبير ومتزايد على هذه البلدان، وهذا النفوذ كان يحمل معه الكثير من التأثيرات على دول العالم الثالث.


شارك المقالة: