فلسفة كودوورث في نظرية المعرفة

اقرأ في هذا المقال


تستند نظرية المعرفة للفيلسوف رالف كودوورث على فهم أنّ كل المعرفة افتراضية، والمعتقدات التي لا يمكن التعبير عنها في الافتراض مثل عبارة: “كل الناس بشر” ليست معروفة، وهكذا فإنّ عناصر الافتراض المنطقي -المحددات الكمية والموضوعات والمسندات والجمعيات- يجب أن تكون حاضرة بطريقة ما في العقل كشرط مسبق للمعرفة.

المعرفة كإقتراح:

لا يمكن للحواس تحديد أي من عناصر الافتراض المنطقي، وكل من الموضوعات والمسند هي مسلمات مثل البشر والإنسان، والمحددات الكمية مثل (الكل) والأفعال الرابطة أو الضمائر مثل (هي) هي علاقات منطقية، والحواس لها اتصال فقط بالأشياء والخصائص الفردية لأنّها موجودة بالنسبة للمراقب، ولذلك فإنّ المعرفة الافتراضية ليست ذات طبيعة تجريبية، وإنّه حكم ينشأ من عقل نشط يمتلك بالفعل بعض القدرات المنطقية، وبما أنّ الله لديه معرفة يجب أن يعرفه أيضًا هذه المسلمات، ويجب أن يكونوا أيضًا نماذج لإبداعاته والمحددات العقلانية لأفعاله، ويجب أن يكونوا باختصار الجواهر.

الجواهر في نظرية المعرفة:

لا يتمتع البشر بإمكانية الوصول المباشر إلى هذه الأفكار التي يتمتع بها الله، وكودوورث غير مرتاح لفكرة أنّ البشر قد يكون لديهم أفكار فطرية عن الجواهر، وتشير نظريات مثل رينيه ديكارت بالنسبة إليه إلى شكل من الحتمية المعرفية مع العقل البشري المبرمج مسبقًا لمعرفة حقائق معينة والتي لها مضامين منطقية حتمية.

وبالنسبة لكودوورث الذي يعتقد أنّ علم اللاهوت والأخلاق تم تطويرهما من خلال العقل البشري بدلاً من الوحي، فإنّ الحتمية المعرفية تعني حتمية أخلاقية حيث لا بد للإنسان أن يتوصل إلى نتيجة معينة في أي من المجالين، وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب تفسير الخطأ الأخلاقي والمعرفي البشري.

ولأنّ الله كامل فإنّ نوعًا من الحتمية فيما يتعلق بدقة معرفته وقراراته الأخلاقية أمر ضروري لطبيعته، على الأقل في الحالات التي يكون فيها اعتقاد أو خيار واحد في الواقع أفضل من الآخرين وأفكاره فطرية، ولكن لملء ما رآه كودوورث على أنّه دورنا المناسب في ترتيب الأشياء يجب أن يمتلك البشر طريقة مفيدة ولكنها أقل دقة لتطوير وعي الجواهر نفسها.

الطبيعة البلاستيكية في نظرية المعرفة:

للحواس دور معرفي مهم في هذه الطريقة حيث إنّها تحفز الملكات العقلانية للعقل، والحواس الجسدية التي تسترشد بالطبيعة البلاستيكية تتفاعل مع تحفيز الحواس وتجذب المعلومات إلى العقل، ولكن كل ما تستطيع الحواس وحدها اكتشافه سيكون شيئًا يؤثر على إحساسنا فيما يتعلق بالشكل أو اللون، وتحديد أنّ هذه الخصائص مرتبطة بجسم ما، وأنّ نفس الخصائص هي المسلمات القادرة على الظهور في وقت واحد في أشياء ومواقع متعددة هي أحكام عقلانية، فالعقل يمارس تصورات على تصوراتنا حتى نتمكن من معرفة الأشياء.

علاوة على ذلك يجب أن تمثل هذه المفاهيم مبادئ موضوعية عالمية، وإذا لم تكن موجودة ككيانات موضوعية وعالمية فستكون المعرفة ذات طبيعة نسبية وذاتية بحتة، وستكون بمثابة خيالات لا يمكننا التواصل مع بعضنا البعض لأنّ كل منا سيكون موجودًا في عالم معرفي مختلف، كما أنّها ستكون غامضة بشكل لا يمكن إصلاحه لأنّها بدون أي مبدأ تأديبي باستثناء إرادتنا التي هي في حالة تغير مستمر، وأخيرًا لن نتمكن من استنتاج أي شيء منهم لأنّهم جميعًا خاصون.

بالنسبة لكودوورث والأفلاطونيين فإنّ هذا الدور التنظيمي تم ملؤه بالطبيعة البلاستيكية، بالإضافة إلى تشغيل الأحداث المادية وفقًا للمنطق فإنّ الطبيعة البلاستيكية مسؤولة أيضًا عن العناصر اللاإرادية للسلوك البشري، وينسب كودوورث الأحلام وجميع العمليات الأخرى لما نسميه العقل اللاواعي إلى الطبيعة البلاستيكية تتجلى في العقل البشري، ويعتقد كودوورث أن تضمينها في هذه هي أبسط إسقاط للنظام على تصوراتنا حتى نتمكن من التداول المنطقي.

وفقًا لكودوورث عندما يتم تحفيز أعيننا من خلال رؤية جسم أبيض أو أسود، فإنّ الطبيعة البلاستيكية تجرد غريزيًا مفاهيم البياض أو السواد من هذه التجارب وتقدم هذه المفاهيم إلى العقل الواعي، وينطبق الشيء نفسه على جميع المسلمات الأساسية، والآن لدى العقل شيئًا ليعقله وقد يكتشف العلاقات المنطقية فيما بينها هذه الجواهر الأساسية.

ويسرد كودوورث هذه العلاقات على أنّها السبب والنتيجة والوسيلة والنهاية والنظام والنسبة والتشابه والخلاف والمساواة وعدم المساواة والكفاءة وعدم التكيف والتماثل وعدم التناسق والكل والجزء والجنس والأنواع وما شابه ذلك، فالمقترحات وبالتالي المعرفة تصبح ممكنة.

بمعرفة الأشياء نأتي أيضًا إلى رؤية الكيانات المؤسسية المكونة من عدة أفراد معينين الذين على الرغم من توقفهم محليًا في بعض الأحيان، إلّا أنّهم مرتبطون ببعضهم البعض من خلال العلاقات، والكل يتآمر في شيء واحد غير محسوس ولكن ليس مجرد نسج، والمفاهيم لأشياء مثل الأمة هي مثال على مثل هذا (الطوطم) وهو كائن له قيمة روحية في بعض المجتمعات، حيث إنّ تطوير مثل هذه الأفكار ينطلق فقط من القوة البديهية ونشاط العقل الذي يوفر فقط تلك العلاقات التي تسمح بأن يكون هذا التجريد ممكنًا.

عند هذه النقطة يمكن للعنصر الروحي الواعي للعقل أيضًا أن يستنتج وجود الجواهر التي لا يتم تمثيلها بشكل مباشر في التجربة، فالأفكار التي طورها العقل بالفعل منطقيًا تشير إلى هذه الأفكار الجديدة، فالأخلاق والرياضيات هي أيضًا نتاج هذه العملية، ومن إدراكنا للنظام العام بين الأشياء المادية قد يطور العقل حججًا عقلانية لوجود الله.

نظرًا لأنّ تنظيم الأنشطة الطبيعية والفكر البشري هما من الوظائف المتشابهة مباشرة للطبيعة البلاستيكية ويتم تنظيمهما من خلال الجواهر نفسها، فإنّ منطق العقل البشري دائمًا ما يكون مماثلاً للنظام الطبيعي في الكون، حيث يتم تمثيل الجواهر في مادة غبية بواسطة قوانين الطبيعة، ويتم تمثيلها في الروح من خلال الأنشطة في أذهاننا التي تولد تصورات عن تلك الجواهر.

ولذلك فإنّ الشكوك حول دقة المعتقدات البشرية كما هو واضح في تجربة ديكارت الفكرية (عبقرية الشر) غير مبررة على هذا المستوى الأساسي، ومنطق عقولنا وعقلانية الكون كلاهما انبثاق من نفس المصدر ويعكس كل منهما الآخر.

إخفاقات الطبيعة البلاستيكية في نظرية المعرفة:

ومع ذلك بعد أن أبلغت الطبيعة البلاستيكية العالمية الأساسية للعقل الواعي، يتطلب البشر أكثر فأكثر على مستويات كبيرة بشكل متزايد من التطور لتطوير هذه المفاهيم المرتفعة، على عكس الله الذي هم فطريون عنده وهذا يفتح إمكانية الارتباك أو الخطأ، على سبيل المثال قد يتلقى العقل الواعي رسالة في وقت واحد من عملياتها المعتبرية التلقائية، وإخبارها بأنّ هناك ماء في الأفق، ورسالة ثانية من روح المنطق أنّ هذا سراب، وعند حدوث ذلك هزمت المشكلة نظامنا المعرفولوجي الأساسي، ويجب على العقل أن يختار البديل الذي يؤمن به وأن يحل المسألة بملكة أخرى ألا وهي الإرادة.


شارك المقالة: