حقوق الإنسان في ظل العولمة

اقرأ في هذا المقال


لقد أنشأت العولمة وخصائصها العالمية ظاهرة دولية موحدة تمثلها الشرعية العالمية، أي وثيقة الحقوق؛ وذلك لأن الدمار الذي سببته الحروب في القرن الماضي أدى إلى أيديولوجية الإقصاء، ممّا أدى إلى اتجاه التوحيد بين الدول المعروفة باسم الأمم المتحدة، والتي بشرت بمزيد من العدالة وأطلقت تشريعات دولية لحقوق الإنسان. وتساعد هذه النزعة الإنسانية السلمية على التخفيف من حدة النزاعات التي سببتها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.

حقوق الإنسان في ظل العولمة:

في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، جسد الميثاق العالمي الذي يتضمن حقوق الإنسان روح رفض الدمار الذي حدث خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. وتجدر الإشارة إلى أن لها تأثيراً جاداً وفعالاً على البنية السياسية للعالم القديم الذي استمر حتى يومنا هذا، وما نعنيه هو دعم حقوق الإنسان وإقامة ديمقراطية ثابتة في نظام العالم الحديث.

وقد تأكد هذا الاتجاه العام في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان“، حيث نص على: “إن الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كهدف يجب أن تستهدفه جميع الدول والأمم والهيئات، بحيث يضع كل فرد ومؤسسة في المجتمع هذا الإعلان دائمًا في الاعتبار ويسعى إلى ترسيخ احترام هذه الحقوق ومن خلال التعليم والعمل؛ بحيث يكون ذلك، على الصعيدين المحلي والدولي، لضمان الاعتراف بالمعاهدة واحترامها بطريقة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء أنفسهم وشعب البقاع تحت حكمهم”.

وهذه الصلة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان واضحة في التوجه التشريعي والعملي والوظيفي للأمم المتحدة، من حيث التشريع، حيث تؤكد الشريعة الإسلامية بوضوح هذا الاتجاه في أحكامها الأساسية والبروتوكولات اللاحقة التي تشرح مفهوم التشريع وتنفيذه، حيث أكد الأمين العام السابق للأمم المتحدة هذا الارتباط في حفل افتتاح المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في 14 يونيو لعام 1993. وقال: “لم يعد من الممكن فصل الديمقراطية عن حقوق الإنسان. وعلى العكس من ذلك، فقد تصبح واحدة منهم، بما في ذلك الخطط السياسية لضمان حقوق الإنسان وحمايتها”.

المصطلح الرئيسي لحقوق الإنسان هو مجموعة من القيم الإنسانية المتحضرة القائمة على العدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والسلام، وكما ينص قانونها: يولد جميع الناس بالحرية والكرامة والحقوق متساوون ولديهم العقل.

نظرًا للتأثير المتبادل لهذه العناوين التي اقترحها الميثاق مع تطوير مفهوم الديمقراطية، فإن تركيز الاهتمام العالمي ينصب على جميع المكونات والجوانب المادية والثقافية والاجتماعية للبشرية، حيث يعتبر هذا الهدف الأساسي للمجتمع الدولي كامل.

فخطة التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة لتنمية العالم، توسيع مؤشراتها ومفاهيمها الموضوعية لمستويات المعيشة والخدمات العامة والتعليم والصحة والإسكان، توفر ضمانات للحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خلق الفرص، تحفيز التبادلات والمعلومات وتبادل الخبرات والتنوع الفكري والروحي، مراعاة خصوصية الشعوب في قيمها الثقافية وعاداتها وتقاليدها.

الجوانب الإيجابية بين العولمة وحقوق الإنسان:

ومن بين الاتجاهات العامة التي تمثلها هاتان الفلسفتان، من أين تأتي الإنسانية في حقوقها وعولمتها؟ حيث يتم تقديم بعض الأفكار التي تتطلب دائمًا ممارسة مناسبة خارجة عن السيطرة والحصرية، بما في ذلك:

  • هذه الأرض ملك للبشر، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو المذهب أو اللغة. وهذا يعني قيامة الروح الإنسانية الشاملة، وترسيخها في النفس، وتقوية الروح الخيرية؛ وذلك لأن الوحدة تقرب الحضارات وتجعلها بعيدة عن الصراع.

ومن هذا المنظور الإيجابي، تصبح ثروة الكوكب حقًا لجميع الناس على هذا الكوكب، ممّا يعني أن الدول الفقيرة التي تعاني من أزمات الجوع والفقر يمكن أن تستفيد من المساعدات من الدول الغنية. وهذا إنجاز حقيقي فيما يسمى بإيديولوجية التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة، والتي أدت إلى عملية تنمية واسعة تشمل البلدان الفقيرة.

  • أدى الانفتاح العالمي للبشرية إلى إزالة حدود الطبيعة والإنسان والثقافة، وبالتالي تحويل الأرض إلى قرية صغيرة من حيث مفهوم النشر وتوزيع المعلومات والمعرفة، ممّا أدى إلى تعميم الوعي البشري. ويتم تحقيق ذلك بشكل أساسي من خلال تطوير أنظمة المعلومات والاتصالات والإنترنت ووسائل الإعلام.
  • إن أقصى استثمار في القدرات البشرية والترتيب النوعي للإبداع البشري يعني فتح الطريق لاستخدام أفضل للطاقة البشرية عالية الجودة وتجنب إهدار هذه الطاقة. والعبقرية والتميز لا يقتصران بأي حال من الأحوال على البشر الذين يعيشون في مجتمعات غنية، حتى في المجتمعات الفقيرة حيث لا يوجد شرط مناسب لعرض هذا النوع من الإبداع، وهذا ما يسمى بالديمقراطية الثقافية، والتي تمنح كل فرد الحق في اكتساب الثقافة والإمكانيات المادية والبنية الثقافية، وكل هذا يضمن حقوق الإنسان الثقافية والحق في الإبداع والحق في العمل والحق في تكافؤ الفرص.
  • التطورات التكنولوجية العالمية القائمة على الصناعات الضخمة، مثل أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات والاتصالات والمعلوماتية ستجبر الأسواق المغلقة على الانفتاح؛ لأن قواعد اللعبة الرأسمالية التقليدية القائمة على امتلاك الأشياء وصنعها قد تغيرت لتأسيس ركائز اقتصادية جديدة ومنح الناس واقعهم هو المعرفة، ما لم يعد الإبداع مجرد نجاح، حيث إنه يتعلق بالحصول على إدراك ممتاز.

ومن هذا المنظور، تستخدم العولمة إرادة إنسانية شاملة لدعم تحقيق هذه الحريات والتعاون الدولي، وضمان فضاء أوسع محليًا وإقليميًا ودوليًا؛ لأنها تحقق رادعًا سياسيًا وإنسانيًا لضمان هذه الحريات والتكامل، والبشر في الرؤية الشاملة وراء الحدود الضيقة والمحدودة.

الجوانب السلبية بين العولمة وحقوق الإنسان:

أما الجوانب السلبية التي تثير الحذر فتنعكس هذه المشكلة في التطبيق العملي للعولمة. والمشكلة هي أنه بغض النظر عن مكان وجود هذا الكوكب، فلا يتم أخذ اقتراحات إيجابية من منظور جاد لحماية حقوق الإنسان. والإحصائيات والحقائق تتهم هذا النظام الجديد بانتهاك حقوق الإنسان وتعطي الأولوية للمصالح المادية للقوى المهيمنة على الاعتبارات الأخرى.

أما عن أبرز العوامل السلبية التي أصابت الواقع الإنساني بسبب قيام العولمة فهي:

  • تقسيم العالم إلى مجتمعات ثرية للغاية أدركت حقوق الإنسان إلى حدٍ كبير، وفي مجتمعات أخرى فقيرة للغاية، يعاني الناس من فقدان أسس معيشية أساسية مثل الغذاء والسكن والتعليم والاستشفاء، وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة. وتبيّن أن نسبة الفقراء والعاطلين عن العمل قد زادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة
  • انتهاك حقوق الإنسان من خلال السماح للبشر بالظهور كقوة دافعة لتطبيق مفهوم العولمة.
  • تسبب الاحتكار الاقتصادي المعولم في تحول الاقتصاد العالمي من رأس المال الشخصي إلى النظام الحضري. وفي الستينيات من البوتقة الأخيرة، كان عدد الشركات متعددة الجنسيات 6000 في الولايات المتحدة، أما في السنوات الأخيرة فبلغ أكثر من 37000 شركة وكانت الولايات المتحدة تمثل 85٪ منها. وهذا الاحتكار الاقتصادي يحول العالم إلى سوق واحدة حيث يتم حل الأسواق المحلية والوطنية والإقليمية، ولا تستطيع الدول الفقيرة المنافسة وحماية إنتاجها الوطني.

شارك المقالة: