علم اللغة الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


ما هو علم اللغة الاجتماعي؟

يعتبر علم اللغة الاجتماعي أحد أهم أفرع علم اللغويات أو ما يعرف بعلم اللسانيات، فهو العلم الذي يعنى بدراسة اللغة والمجتمع، وتأثير المجتمع والبيئة المحيطة على هذه اللغة.

يقوم هذا العلم بدراسة لسانيات ولغويات اللغة بين الأفراد والمجموعات التي يميزها الكثير من الفوارق والعوامل، كالجنس والدين والعمر والنوع الاجتماعي والمستوى التعليمي والمستوى الثقافي والمستوى الاجتماعي والمستوى الاقتصادي والعديد غيرها، وكيفية استخدام اللهجات والقواعد والتراكيب والأبنية اللغوية بناءً على هذه الفوارق.

يقوم علم اللغة الاجتماعي بفحص التفاعل والانسجام بين اللغة والمجتمع، فيبدو واضحاً أن اللغة تتأثر بشكل كبير بالبيئة الثقافية التي تستخدم بها. فعلى سبيل المثال، قام العديد من المهاجرون بالاستقرار في مناطق معينة في بعض المناطق من الولايات المتحدة الامريكية، تم إدخال الكثير من الكلمات الجديدة المستخدمة من اللغة الأم للمهاجريين و إضافتها الى اللغة الإنجليزية هناك.

ففي بداية القرن التاسع عشر، استقرت المستوطنات النرويجية في جنوب ولاية ويسكونسن وفتحت الطريق بعدها للعديد من المستوطنات الإسكندنافية للإستقرار في ويسكونسن وفي الغرب الأوسط. عند قدوم هؤلاء المهاجرين لم يكن هناك الكثير من المصطلحات والكلمات الدلالية لبعض الأنشطة الزراعية، تم استخدام الكلمات النرويجية والكلمات الإسكندنافية للدلالة على هذه الأنشطة. و سرعان ما أصبحت هذه الكلمات جزءًا من مفرات اللغة الإنجليزية هناك.

ويقوم علم اللغة الاجتماعي بدراسة اللهجات، أو التنوع الإقليمي و العرقي لللغة. على سبيل المثال، كانت اللغة المستخدمة للتدريس في المدارس الأمريكية هي اللغة الإنجليزية الفصيحة أو ما يعرف باللغة الإنجليزية القياسية أو اللغة الإنجليزية الأمريكية المحررة والمعدلة. ففي بعض الأماكن في ولاية لويزيانا يتم استخدام مفردات اللغة الإنجليزية ذات اللهجه الأكادية القوية والحادة. ويختلف كذلك النطق في بعض المناطق كاختلاف المفردات والتراكيب اللغوية والنحوية.

أحد الجوانب الهامة أيضاً في علم اللغة الاجتماعي هو تواصل اللغات مع بعضها البعض. فقديماً في الولايات المتحدة الأمريكية كانت اللغة الفرنسية هي اللغة البارزة في ولاية لويزيانا ودُرست في المدارس والمعاهد في جميع أنحاء الولاية لفترة طويلة من الزمن، ولكن في العقود القليلة الماضية تغيرت هذه الحقيقة وأصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر استخداماً وشيوعاً؛ لأنها كانت لغة ذوي السلطات السياسية والاقتصادية في جميع أنحاء البلاد.

تاريخ علم اللغة الاجتماعي:

في بدايات القرن العشرون كان اللغويون اليابانيون والهنود والسويسريون هم أول من قاموا بدراسة العلوم الاجتماعية لللغة، ولكن لم يُعطي الباحثون لهذه الدراسات أي أهمية إلا لوقت متأخر. كان توماس هودسون أول من آمن بمصطلح اللسانيات واللغويات الاجتماعية فقام بنشر أول أبحاثه في عام 1939. وبعدها ظهرت اللسانيات واللغويات الاجتماعية لأول مره بشكل واسع لدى الغرب في نهاية الستينيات من القرن العشرين، حيث كان اللغوي باسيل
بيرنستين من المملكة المتحدة واللغوي ويليام لابوف من الولايات المتحدة الأمريكية رواداً ليشق هذا العلم طريقة.

يعتبر هذا العلم موجوداً منذ القدم ففي بدايات القرن العشرين أكد اللغوي دوركايم وكذلك اللغوي فريدنايد دي سوسير على العلاقة الوثيقة بين اللغة والمجتمع، ولكن يعتبر ويليام لابوف هو المُنشئ والمؤسس العملي لهذا العلم؛ حيث قام بطباعة كتابه في التراتيبية الاجتماعية في إنجليزية مدينة نيويورك عام 1966.
وفي عام 1960، قاما اللغويان هينز كلوس وويليام ستيورات بطرح المنظورالأساسي للغويات اجتماعية للغات متعددة المراكز والتي وصفت الاختلاف في لغات الشعوب الرسمية، كاللغة الإنجليزية في أمريكا أو في كندا أو في أستراليا أو في بريطانيا، واللغة الألمانية في النمسا أو في سويسرا أو في ألمانيا، واللغة الصربية في كرواتيا أو في البوسنة أو في مونتينيغرو أو في صربيا.

بعدها قام لابوف بإجراء العديد من الدراسات في جزيرة مارثاز فينيارد، حيث تعد هذه الدراسات أول وأهم الدراسات التي مهدت ويسرت الطريق للكثير من اللغويون من بعده بإجراء دراساتهم فيما يتعلق بعلوم اللغويات واللسانيات
عامة وعلم اللغة الاجتماعي خاصة.

أنواع علم اللغة الاجتماعي:

اللهجة Dialect:

تعد اللهجة هي اللغة التي يقوم مجموعة من الأفراد باستخدامها حتى يتمكنوا من فهم بعضهم البعض. حيث يكون هؤلاء الأفراد في نطاق جغرافي محدد ومعين. ويشار إلى خصائص لغة المتحدث الفردي باسم المتحدث” idiolect” (لغة يستخدمها المتحدثون الفرديون).

ومن الممكن أن تظهر لغة مجموعة معينة من الناس اختلافات منتظمة من تلك المستخدمة من قبل مجموعة أخرى من المتحدثين لتلك اللغة. فعندما تكون هناك فوارق واختلافات اجتماعية وجغرافية بين المجموعات المتحدثة باللغة الإنجليزية حينها سوف يتحدثون بلهجات مختلفة عن بعضهم البعض، كاللغة الإنجليزية البريطانية والأمريكية والكندية وغيرها. وبالتالي يمكن تعريف اللهجة بأنها اللغة الفردية لجماعة معينة تجمعهم مجموعة من العوامل التي تميزهم عن غيرهم.

ولكن لن يكون من السهل دائماً تحديد ما إذا كان الاختلاف في الكلام بين المجموعات المختلفة هو دلالة على لهجتين مختلفتين أو دلالة على لغتين مختلفتين.

لغة التواصل المشترك (لنغوا فرانكا) Lingua franca:

تعد لغة التواصل المشتركة هي اللغة التي يستخدمها العديد من الأشخاص من مختلف المناطق والبلدان والأمم، وهي نفسها اللغة التي يتم استخدامها في مواقع التواصل الاجتماعي وفي أماكن التواصل التجاري.

الإسلوب والطرز Style:

يعرف الإسلوب والطرز بأنه اللهجة المستخدمة في المواقف المختلفة. لدى الكثير من المتحدثين القدرة على استخدام عدد من أساليب الكلام المختلفة، كالكلام الرسمي وغير الرسمي. فهناك العديد من البلدان التي لديها قواعد سلوكية واجتماعية تحكم حرية الفرد في استخدام أسلوبة بدقة وتقييد بقواعد هذا البلد.

اللغة العامية Slang:

تعرف العامية بالكلمات المستخدمة من قبل مجموعات معينة من الناس وعادة ما تكون غير رسمية.

اللهجة واللكنة Dialect and Accent:

تعتبر اللكنة هي الطريقة التي يتحدث وينطق بها الإنسان في منطقة وأمة معينة، حيث من الممكن أن يتم تحديد اللكنة من خلال موطن متحدثيها أو أوضاعهم الاجتماعية أو أوضاعهم الاقتصادية وتأثير لغتهم الأم وعرقهم ودينهم والعديد غيرها.

بينما تعتبر اللهجة نسخة محكية من اللغة وتعتبر كلغة قياسية. فعلى سبيل المثال، طرق الكلام والنطق المختلفة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية تسمى باللكنات، كلكنة ولاية نيويورك ولكنة ولاية تكساس وغيرها. بينما تعتبر اللغة الإنجليزية بتراكيبها ومفرداتها المختلفة بين الدول الناطقة بها باللهجات، كاللهجة الأمريكية والبريطانية والكندية والأسترالية وغيرها.

اللغة الهجينة واللغة المولدة Pidgin and Creole:

تعتبر اللغة الهجينة أو ما يعرف بـ (Pidgin)، لغة مركبة تم تطويرها كلغة للتواصل بين الأفراد المتحدثون بلغات مختلفة عن بعضها البعض، مما أدى إلى احتكاك وتواصل بسيط بين قواعد ومصطلحات وطرق نطق لغتين معينتين. بينما تعتبر اللغة المولدة (Creole) هي نوع من اللغة الطبيعية التي تطورت عبر التاريخ من اللغة الهجينة وظهرت إلى الوجود في نقطة زمنية محددة. يتحدث بعض الناس في جامايكا وسيراليون والكاميرون وأجزاء من جورجيا وكارولينا الجنوبية اللغة المولدة (Creole).

المصطلحات اللغوية Jargons أو Argots:

المصطلحات اللغوية أو الأرغوتية (Jargon) أو (Argot) هي المصطلحات أو العبارات المستخدمة من قبل فئة معينة أو فئة محترفة.

الكلام الممنوع Taboo:

يعرف الكلام الممنوع بالكلمات أو العبارات التي لها تعبير غير محبب ومهذب، حيث يؤدي استخدام هذه الكلمات والعبارات إلى نقل صورة سيئة عن مستخدميها. فهي بالعادة ما تنقل تعبير متشائم.

التعابير التبسيطية أو التلطيفية Euphemism:

تعرف التعابير التلطيفية أو التبسيطية بالتعابير التي تحمل كلام غير مباشر للتعبير عن أحداث غير سارة. على سبيل المثال، يستخدم المصطلح (pass away) للتعبير عن الموت بطريقة أقل حده من مصطلح (die).

أشهر الطرق للقيام بدراسات علم اللغة الاجتماعي:

يقوم باحثون وعلماء علم اللغة الاجتماعي بإجراء العديد من الدراسات ليتمكنوا من التوصل إلى نتيجة ترضيهم، حيث تعد المقابلات اللغوية الاجتماعية واحدة من أشهر وأهم الطرق لدراسة علم اللغة الاجتماعي، فهذه الطريقة المثلى ليتمكن الباحث من مقابلة الأفراد والجماعات وسماع طرق وأساليب حديثهم واستخدامهم اللغة.

يقوم الباحث بجمع أكبر قدر ممكن من الكلام من متحدثي اللهجات واللغات التي يقوم الباحث بدراستها، وكأي مقابلة تكون المقابلة اللغوية الاجتماعية مقابلة طويلة يقوم الباحث فيها بأستنباط دراسات محددة وتحديد نطاق بحثه ويقوم بعدها بتسجيل كلام الجماعات والأفراد، وبعدها يقوم بتحليل طرق اللفظ والنطق وطرق استخدام القواعد والتراكيب وأبنية الكلام ومقارنتها بعد ذلك بالمناطق الأخرى التي تجرى عليها الدراسات، ومن هنا عُرف ما هو مسمى باللهجات واللكنات.
وحتى يتمكن الباحث من إجراء مقابلاته على أتمّ وجه يتوجب عليه في بعض الأحيان الإقامة في المنطقة الجغرافية التي يقوم بإجراء أبحاثه فيها. فعلى سبيل المثال، حتى يتمكن الباحث من معرفة اللهكنات المختلفة في الولايات المتحدة الامريكية يتوجب عليه الإقامة في جميع الولايات وبعدها تحليل دراساته فيتمكن من معرفة أن لكنة سكان الولايات الجنوبية من البلاد مختلفة عن اللكنات المتحدثة في الولايات الشمالية، فلكنة سكان نيويورك يوجد فيها العديد من الاختلافات والفوارق عن لكنة سكان ولاية تكساس.

أشهر علماء وباحثي علم اللغة الاجتماعي:

  1. ويليام لابوف.
  2. رونالد وودروف.
  3. جون جامبيرز.
  4. ويليام ستيورات.
  5. مريام ميرهوف.
  6. سوزان رومين.
  7. جانيت هولمز.
  8. بيتر ترودجيل.
  9. باربرا جونستون.
  10. بيتر ستوكويل.
  11. جيرارد فان هيرك.
  12. جون إدواردز.
  13. ريتشارد هدسون.
  14. برنارد سبولسكي.

وبالنهاية يعتبر الكثريون دراسة هذا العلم من أمتع الدراسات فهو حقل نستطيع من خلاله فهم أسلوب حديثنا وطرق استخدامنا اللغة من شتى الجوانب.


شارك المقالة: