الإشراف من مراحل العملية الإبداعية:
يقصد بالإشراف تلك اللحظة التي يتفق فيها التفكير فجأة عن حل أو بوارد حل المشكلة، التي طالما شغلت حيزاً كبيراً من النشاط العقلي خلال مرحلتي الإعداد والاحتضان، وأثناء الانتقال من مستوى الوعي الكامل بجميع حيثيات المشكلة إلى مستوى اللاشعور أو ما قبل الشعور، الذي تتم فيه معالجة البيانات والمعلومات في أعقاب مرحلة التحضيرالإعداد، وإن الإشراق هو الخبرة التي تنتهي بحل اللغز المحير والشعور بالرضا والارتياح بعد معاناة ذهنية قد تطول أو تقصر لأنه لا يمكن التنبؤ بها أو استعجالها.
لقد درس عدد من الباحثين ظاهرة الإشراق التي ينبثق عنها حدوث اختراعات إبداعية في مجالات العلوم والآداب والفنون، وأوردوا نماذج من أقوال أولئك الذين سجل التاريخ أسماءهم كمبدعين من الطراز الأول في وصفة خبرة الإشراق، فقد ورد عن الشاعر الألماني (جوته) أنه وصف خبرته في كتابه روايته بالقول لقد كتبها دون وعي كمن يمشي وهو نائم وكم كانت الدهشة عندما أنجزت من حجم العمل الذي أنجزه، وصرح الشاعر المبدع (شيلي) بأن الكتاب والفنانين والشعراء العظماء يؤكدون بصورة متوافرة حقيقة مفادها، وأن أعمالهم تلوح لهم من خارج عتبة الوعي أو الشعور وورد عن الرياضي (جاوس) قوله أخيراً وقبل يومين نجحت لا بفضل جهوده المضئية ولكن بفضل الله كومضة يعرف مفاجأةً إمكانية حل الأحجية.
لقد توصل (جاوس) وهو في الحادية والعشرين إلى اكتشاف نظرية الأعداد المرنة، التي كانت أعظم اكتشاف في نظرية الأعداد منذ عصر فيثاغورس وقرر اختيار التخصص في الرياضيات في نفس اليوم الذي اكتشف فيه كيفية بناء شكل من ١٧ ضلعاً باستخدام مسطرة ومنقلة فقط، وقد جاءه الحل كومضة برق تماماً كما فعل في اتخاذ قراره المهني.
ورد في ترجمة لحياة (ألبرت أنشتاين) أنه كان يحمل في جيبته دفتراً صغيراً حتى أوقات راحته واسترخائه حتى يتمكن من تثبيت أي فكرة تعرض له وكأنه دائم الاستعداد لمواجهة لحظات توارد الأفكار التي تأتي غالباً بدون مقدمات، ومن واقع الحياة اليومية العادية قد يجد إنسان نفسه مطلوب منه أن يتذكر اسم شخص سبق أن تعرف عليه في يوم ما، وقد يكون عالقاً في ذهنية مقطعاً من اسم ذلك الشخص فيأخذ في استعراض جميع الأسماء التي تضم هذا المقطع، وعندما يستنفذ كل المحاولات لتذكر الاسم دون نجاح لا يجد مفراً من تعليق التفكير في الموضوع إلى حين.
ويبقى على الشخص في وقت لاحق وبينما هو مشغول بالحديث حول موضوع ليس له علاقة بالطلب المعلق ويقفز إلى ذهنة، فجأة ذلك الاسم الضائع بل المختزن في ثنايا الدماغ بعد إنجاز عملية بحث ونقص معقدة فيما يعرف باللاشعور لدى علماء النفس التحليلية، إن العمليات والواجبات الفكرية التي تدور في هذا اللاشعور غير واضحة ويسيطر عليها الغموض الكبير وما يمكن الجزم به إلى حد كبير هو أن كثيراً من عمليات التفكير تحدث في مستوى اللاشعور.